للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدًا منكم عمله،

ــ

المشددة من التنجية، أو بسكون النون وتخفيف الجيم المكسورة من الانجاء، ومعناه لن يخلص النجاة من الشيء التخلص منه (أحدًا) بالنصب على المفعولية (منكم عمله) بالرفع على الفاعلية، وفي رواية أبي داود الطيالسي ما منكم من أحد ينجيه عمله. وفي رواية للشيخين: لن يدخل أحدًا عمله الجنة. وفي رواية لمسلم: ليس أحد منكم ينجيه عمله. وفي أخرى له: لن ينجو أحد منكم بعمله واستشكل هذا الحديث ونحوه بقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الزخرف: ٧٢) وأجيب بأنه تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال. ويحمل الحديث على أصل دخول الجنة والخلود فيها فإن قلت: إن قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل: ٣٢) صريح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال أجيب: بأنه بلفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد بذلك أصل الدخول، ويجوز أن يكون الحديث مفسرًا للآية والتقدير أدخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم، لأن اقتسام منازل الجنة برحمته، وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله، وقد تفضل عليهم ابتداء بإيجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم، هذا محصل ما قاله ابن بطال في الجمع بين الآيتين وحديث الباب. وقال عياض: طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل في الآية فذكر نحوًا من كلام ابن بطال الأخير، وإن من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعة وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله، وإنما هو بفضل الله ورحمته. وقال ابن الجوزي: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة. الأول: أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة. الثاني: إن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله. الثالث: جاء في بعض الأحاديث إن نفس دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالأعمال. والرابع: إن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، والثواب لا ينفد، فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل بمقابلة الأعمال. وقال الكرماني: الباء في قوله: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ليست للسببية بل للإلصاق أو المصاحبة أي أورثتموها ملابسة أو مصاحبة أو للمقابلة نحو أعطيت الشاة بالدرهم، وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في المغني فسبق إليه فقال: (ج١: ص٩٧) ترد الباء للمقابلة وهي الداخلة على الأعواض نحو اشتريته بألف وكافأت إحسانه بضعف. وقولهم هذا بذاك منه {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل: ٣٢) وإنما لم نقدرها باء السببية كما قالت: المعتزلة (فإنهم يقولون العمل الصالح سبب موجب للجنة) وكما قال الجميع (أي: جميع أهل السنة) في لن يدخل أحدكم الجنة بعمله لأن المعطي

<<  <  ج: ص:  >  >>