للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: ولا أنت يا رسول الله!

ــ

بعوض قد يعطي مجانًا بخلاف المسبب فلا يوجد بدون السبب قال: وقد تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية لاختلاف محملي الباءين جمعًا بين الأدلة، قلت: سبقه إلى ذلك ابن القيم، كما قال الحافظ، وقد حكى كلامه عن كتاب مفتاح دار السعادة قال الحافظ: ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث وجه آخر، وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولاً، وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للالصاق أو المقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون سبيية وحاصل هذا الجواب، إن المنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عن القبول والمثبت في الآية، دخولها بالعمل المتقبل، والقبول إنما يحصل من الله تفضلاً. وقال النووي: معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، والجميع بينها وبين الحديث، أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها، إنما هو برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل الجنة بمجرد العمل، وهو مراد الحديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي: بسببها وهي من رحمة الله تعالى. ورد الكرماني الأخير بأنه خلاف صريح الحديث. وقال التوربشتي: ليس المراد من هذا الحديث نفي العمل وتوهين أمره، بل توقف العباد، على أن العمل، إنما يتم بفضل الله وبرحمته، لئلا يتكلوا على أعمالهم اغترارًا بها، فإن الإنسان ذو السهو والنسيان عرضة للآفات ودرية للغفلات، قلما يخلص له من شائبة رياء أو شهوة خفية أو فساد نية أو قصد غير صالح، ثم إن سلم له العمل عن ذلك ولا يسلم إلا برحمة من الله فإن أرجى عمل من أعماله لا يفي بشكر أدنى نعمة من نعم ربه فأنى له أن يستظهر بعمل لم يهتد إليه أيضًا إلا برحمة من الله وفضل. وقال الطيبي: أي النجاة من العذاب والفوز بالثواب بفضل الله ورحمته والعمل غير مؤثر فيهما على سبيل الإيجاب، بل غايته أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه ويقرب الرحمة إليه، ولذا قال فسددوا إلخ. والخطاب للصحابة والمراد معشر بني آدم. قال الماذري: مذهب أهل السنة إن إثابة الله تعالى من أطاعة بفضل منه، وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه ولا يثبت واحد منهما إلا بالسمع، وله تعالى أن يعذب الطائع وينعم العاصي، لأن العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطاته يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر وخبره صدق لا خلف فيه أنه لا يفعل ذلك بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب الكافرين ويخلدهم في النار عدلاً منه. وهذا الحديث يقوي مقالتهم ويرد على المعتزلة حيث يثبتون الأعواض بالعقل ويوجبون ثواب الأعمال. ويوجبون الأصلح، ولهم في ذلك خبط كثير وتفضيل طويل (قالوا) وفي رواية لمسلم: فقيل: وفي أخرى له قال: رجل. قال الحافظ: لم أقف على تعيين القائل (ولا أنت يا رسول الله)

<<  <  ج: ص:  >  >>