قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته، فسددوا، وقاربوا،
ــ
أي: لا ينجيك عملك مع عظم قدره، قال الطيبي: الظاهر ولا إياك أي: للعطف على أحدًا فعدل إلى الجملة الاسمية أي من الفعلية المقدرة مبالغة. أي: ولا أنت ممن ينجيه عمله استبعادًا عن هذه النسبة إليه. قلت: وقع في رواية لمسلم قال رجل: ولا إياك يا رسول الله. قال الكرماني: إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة إلا أن يتغمدهم الله برحمته فوجه تخصيص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذكر أنه إذا كان مقطوعًا له بأنه يدخل الجنة ثم لا يدخلها إلا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى. وقال الرافعي: لما كان أجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطاعة أعظم، وعمله في العبادة أقوم قيل: ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدره فقال: لا إلا برحمة الله. (قال ولا أنا) مطابق ولا أنت. أي: ولا أنا ممن ينجيه عمله. وفي رواية مسلم المشار إليها قال: ولا إياي إلا أن يتغمدني الله. أي: يسترني. وفي رواية لمسلم: إلا أن يتداركني (منه برحمة) وفي رواية لهما: بفضل ورحمته، وللمستملي بفضل رحمته بإضافة بفضل للاحقها. وفي رواية لمسلم: برحمته وفضل. وفي أخرى له: بمغفرة ورحمته. قال أبو عبيدة: المراد بالتغمد الستر وما أظنه إلا مأخوذًا من غمد السيف، لأنك إذا غمدت السيف فقد ألبسته الغمد وسترته به، كأنه جعل رحمة له غمدًا وستره بها وغشاه، قال القاري: والاستثناء منقطع، أي إلا أن يلبسني لباس رحمته فأدخل الجنة برحمته، والتغمد الستر أي يسترني برحمته ويحفظني كما يحفظ السيف بالغِمد، بكسر الغين وهو الغلاف، ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف للسيف. وقال الشيخ الدهلوي: معنى الاستثناء أي: لا ينجيني عملي إلا أن يرحمني الله، فحينئذ ينجيني عملي ويصير سببًا في نجاتي، وبدونه لا يصير سببًا، لأن العمل ليس علة حقيقية موجبة للنجاة. وقال الطيبي: الاستثناء منقطع. قال القسطلاني: ويحتمل أن يكون متصلاً من قبيل قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى}(الدخان: ٥٦) ولما أشعر هذا الكلام بإلغاء العمل، من حيث إيجابه النجاة، وهو لا ينافي سببيته ومدخليته، فيها باعتبار أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه، ويقرب إلى الرحمة من جهة حكمه تعالى، بذلك ووضعه إياه، كذلك أشار إلى إثباته بقوله (فسددوا) بالسين المهملة المفتوحة وكسر الدال المهملة الأولى المشددة. أي اقصدوا السداد من الأمر وهو الصواب من قولهم سدد السهم إذا تحرى الهدف. وقيل: هو القصد من القول والعمل واختيار الصواب منهما، وهو ما بين الإفراط والتفريط، يعني قوموا العمل واطلبوا الصواب واقصدوا في العمل بلا إفراط وتفريط فلا تغلوا ولا تقصروا، وفي رواية لمسلم ولكن سددوا. قال الحافظ: ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة، وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة، التي تدخل العامل الجنة، فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب، وهو اتباع السنة من الإخلاص، وغيره ليقبل عملكم، فينزل عليكم الرحمة، (وقاربوا) أي اطلبوا المقاربة وهي