واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا. متفق عليه.
ــ
القصد في الأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير. وقيل: المعنى إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل، فاعملوا بما يقرب منه، يعني اعملوا بالسداد، فإن عجزتم عنه فقاربوا أي اقربوا منه. وقال الحافظ: أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتركوا العمل، فتفرطوا
(واغدوا) بالغين المعجمة الساكنة والدال المهملة من الغدو، وهو السير من أول النهار، (وروحوا) بضم الراء وسكون الواو من الرواح وهو السير من أول النصف الثاني من النهار. وقال الجزري: الغدو الخروج بكرة، والرواح العود عشيًا، والمراد اعملوا أطراف النهار، وقتًا وقتًا (وشيء من الدلجة) بضم أوله وفتحه وإسكان اللام ويجوز فتحها، وبعد اللام جيم سير الليل، والمراد العمل في الليل، وقال وشيء من الدلجة لعسر سير جميع الليل، ففيه إشارة إلى تقليله وإلى الحث على الرفق في العبادة، وشيء مرفوع على الابتداء وخبره مقدر. أي اعملوا. أي فيه، أو مطلوب عملكم فيه. وقيل: التقدير ولكن شيء من الدلجة، وقيل: إنه مجرور لعطفه على مقدر، أي اعملوا بالغدو والروحة وشيء من الدلجة، أو المعنى استعينوا بشيء من الدلجة وفي بعض نسخ البخاري وشيئًا بالنصب، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول. قال الحافظ: وشيئًا منصوب بفعل محذوف، أي: افعلوا (والقصد القصد) بالنصب على الإغراء، أي الزموا الطريق الوسط المعتدل، قال الجزري: القصد العدل في الفعل والقول، والوسط بين الطرفين والتكرير للتأكيد (تبلغوا) المنزل الذي هو مقصدكم، وهو مجزوم على جواب الأمر، وقد شبه المتعبدين بالمسافرين، لأن العابد كالمسافر إلى محل إقامته وهو الجنة، وكأنه قال لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير بل اغتنموا أوقات نشاطكم وهو أول النهار وآخره وبعض الليل وارحموا أنفسكم فيما بينهما لئلا ينقطع بكم، قال الله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ}(هود: ١١٤) وقد تقدم بأبسط من هذا في شرح حديث أبي هريرة رقم (١٢٥٦) ، قال الطيبي: بين أولاً أن العمل لا ينجي إجابًا لئلا يتكلوا عليه، وحث آخرًا على العمل لئلا يفرطوا بناء على أن وجوده وعدمه سواء، بل العمل أدنى إلى النجاة، فكأنه معد وإن لم يوجب. وقال الرافعي: في الحديث إن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات، لأنه إنما عمل بتوفيق الله وإنما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته (متفق عليه) واللفظ للبخاري بل السياق المذكور بطوله من إفراده، أخرجه في الرقاق، وأخرجه مسلم في التوبة مختصرًا من طرق متعددة، وأخرجه البخاري أيضًا مختصرًا في أواخر المرضى مقرونًا بقوله:((ولا يتمنى أحدكم الموت إلخ)) . وأخرجه أيضًا أحمد مختصر (ج٣: ص٢٣٥: ٢٥٦: ٢٦٤: ٣٦٢) ، وأبو داود الطيالسي، وأبو نعيم، وفي الباب عن عائشة عند الشيخين، وعن جابر عند مسلم، وعن جماعة من الصحابة غير هؤلاء كما في الكنز (ج٤: ص١٥٠) .