على قصده، وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضًا، وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضًا، وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله فهذا هو العزم، وهو منتهى الهم (وخمس بعضهم القسمة كما سبق في شرح حديث رقم ٦٣) ثم العزم على القسمين. القسم الأول: أن يكون من أعمال القلوب صرفًا كالشك في الواحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزمًا ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك، فهذا يأثم ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد، وفي بعض هذا خلاف فعن الحسن البصري إن سوء الظن بالمسلم حسده معفو عنه، وحملوه على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدته النفس على تركه. والقسم الثاني: أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع. فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلاً، ونقل عن نص الشافعي، ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة. قال: علم الله أنه أشعرها قلبه وحرص عليها وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء بل قال: فيه ومن هم بسيئة لم تكتب عليه، والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه. وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم، وسأل ابن المبارك سفيان الثوري أيؤاخذ العبد بما يهم به قال: إذا جزم بذلك. واستدل كثير منهم بقوله:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}(البقرة: ٢٢٥) وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم على الخطرات كما تقدم. ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم، وقالت طائفة بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب، وهذا قول ابن جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضًا، واستدلوا بحديث النجوى المروي في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الأدب واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية، ما يقع في الحرام المكي ولو لم يصمم لقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(الحج: ٢٥) لأن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وانتهاك حرمة الحرم بالمعصية يستلزم انتهاك حرمة الله لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى، نعم من هم بالمعصية قاصدًا الاستخفاف بالحرم عصى، ومن هم بمعصية الله قاصدًا الاستخفاف بالله كفر، وإنما المعفو عنه الهم بالمعصية مع الذهول عن قصد الاستخفاف. وأجاب من لم يقل بالمؤاخذة بالعزم عن