ألا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. متفق عليه.
٢٤٤٢- (٤) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ
ــ
رواية مسلم ((فقام إلى الرجل ممن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -)) ، فدلت هذه الرواية على أن الذي خاطبه من الصحابة واحد وهو معاذ بن جبل، كما بينته رواية معاذ بن جبل عند أبي داود ولفظه، ((قال فجعل معاذ يأمره فأبى ومحك، (أي لج في الخصومة) وجعل يزداد غضبًا)) ، (لا تسمع) وفي بعض النسخ ألا تسمع، كما في البخاري (ما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) ، أي فتمتثل وتقول ذلك، (قال إني لست بمجنون) ، وفي رواية ((أترى بي بأسًا أمجنون أنا اذهب)) قال الحافظ: هو خطاب من الرجل للرجل الذي أمره بالتعوذ، أي امض في شغلك، واخلق بهذا المأمور أن يكون كافرًا أو منافقًا، أو كان غلب عليه الغضب حتى أخرجه عن الاعتدال بحيث زجر الناصح الذي دله على ما يزيل عنه ما كان به من وهج الغضب بهذا الجواب السييء. وقيل: إنه كان من جفاة الأعراب، وظن أنه لا يستعيذ من الشيطان إلا من به جنون، ولم يعلم أن الغضب من شر الشيطان ومسه، ولهذا يخرج به عن صورته، ويزين إفساد ماله كتقطيع ثوبه وكسر آنيته، أو الإقدام على من أغضبه، ونحو ذلك مما يتعاطاه من يخرج عن الاعتدال، وقد أخرج أحمد، وأبو داود، من حديث عطية السعدي: أن الغضب من الشيطان - الحديث. أي هو المحرك له الباعث عليه بإلقاء الوسوسة في قلب الآدمي ليغريه. وقال النووي: قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه ((هل تري بي من جنون)) ، كلام من لم يفقه في دين الله تعالى، ولم يتهذب بأنوار الشريعة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون، ولم يعلم أن الغضب من نزعات الشيطان، ولهذا يخرج الإنسان عن اعتدال حاله، ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض، وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي قال له أوصني:((لا تغضب)) فردد مرارًا، فقال: لا تغضب. فلم يزده في الوصية على لا تغضب، مع تكراره الطلب. وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب، وما ينشأ منه ويحتمل أن هذا القائل كان من المنافقين، أو من جفاة الأعراب - انتهى. قلت: الظاهر أن قوله هذا أيضًا نشأ من شدة غضبه، وغلبة غيظه حتى أخرجه عن الاعتدال بحيث قال للناصح ما قال. قال الشوكاني: في الحديث دليل على أن الغضب متسبب عن عمل الشيطان، ولهذا كانت الاستعاذة مذهبة للغضب، فمن غضب في غير حق ولا موعظة، صدق فليعلم أن الشيطان هو الذي يتلاعب به وأنه مسه طائف منه. وفي هذا ما يزجر عن الغضب لكل من يود أن لا يكون في يد الشيطان يصرفه كيف يشاء - انتهى. ومن أحب الوقوف على حقيقة الغضب والأسباب المهيجة له وعلاج الغضب بعد هيجانه، رجع إلى الإحياء للغزالي مع شرحه للزبيدي، (متفق عليه) أخرجه البخاري في صفة إبليس وفي الأدب، ومسلم في الأدب واللفظ للبخاري في باب الحذر من الغضب، وأخرجه أيضًا أحمد (ج٦: ص٣٩٤) ، وأبو داود في الأدب، والنسائي في عمل اليوم والليلة، والبغوي في شرح السنة (ج٥: ص١٢٤) .