للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَدْمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ التَّرَدِّي وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ

ــ

بفتحتين الأنصاري مشهور باسمه وكنيته صحابي شهد العقبة وبدرًا وله فيها آثار كثيرة، وكان عظيم الفناء يوم بدر وغيره، وهو الذي أسر العباس، وهو الذي انتزع راية المشركين من يد أبي عزيز بن عمير، ثم شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم شهد صفين مع علي بن أبي طالب. مات بالمدينة سنة خمس وخمسين وقد زاد على المائة وهو آخر من مات من أهل بدر (اللهم إني أعوذ بك من الهدم) بسكون الدال، وهو سقوط البناء ووقوعه على الشيء يعني انهدام البناء عليه، وروي بالفتح وهو اسم ما انهدم منه. وفي النهاية محركًا البناء المهدوم، وبالسكون الفعل نفسه، وقال السندي: الهدم بفتح فسكون مصدر هدم البناء نقضه، والمراد من أن يهدم على البناء على أنه مصدر مبني للمفعول أو من أن أهدم البناء على أحد على أنه مصدر مبني للفاعل (وأعوذ بك من التردي) ، أي السقوط من موضع عال كالوقوع من شاهق جبل وسطح مرتفع أو الوقوع في مكان سفلي كالبئر تفعل من الردى وهو الهلاك. قال الجزري: بفتح التاء المثناة من فوق وفتح الراء المهملة وتشديد الدال المكسورة، من تردي يتردى إذا سقط في بئر أو تهور من جبل (ومن الغرق) ، بفتحتين مصدر غرق في الماء من باب تعب، أي سقط فيه (والحرق) بالتحريك مصدر حرق بالنار، إنما استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من الهدم والتردي والغرق والحرق، لأن ذلك يكون بغتة، وقد يكون الإنسان في ذلك الوقت غير مقرر أموره بالوصية فيما يكون محتاج الوصية فيه وبإخراج ما يجب إخراجه ركونًا منه على ما هو فيه من الصحة والعافية، وقد لا يتمكن عند حدوث هذه الأمور من أن يتكلم بكلمة الشهادة لما يفجأه من الفزع ويدهمه من الخوف. قال التوربشتي: إنما استعاذ من هذه البليات مع ما وعد عليها من الشهادة لأنها محن مجهدة مقلقة لا يكاد واحد يصبر عليها ويثبت عندها أو يذكر عند حلولها شيئًا مما يجب عليه في وقته ذلك، وربما ينتهض الشيطان عنه فرصة لم يكن لينال منه في غيرها من الأحوال، أي فيحمله على ما يضر بدينه، ثم إنها تفجأ عليه فتتضمن الأسباب التي ذكرناها في موت الفجاءة. وقال الطيبي: استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلايا كالأمراض السابقة المستعاذ منها، وأما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أن الله تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة يشاكها ومع ذلك فالعافية أوسع، ولأن الفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أن الشهادة الحقيقية متمنى كل مؤمن ومطلوبة وقد يجب عليه توخي الشهادة والتحري لها والتجرؤ فيها بخلاف التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرير عنها ولو سعى فيها عصى. وقيل: في الحقيقة الاستعاذة ترجع إلى وقوعها من حيث الإخلال بالدين والاستعاذة من المحن والمصائب كلها إنما هي من حيث احتمال الجزع والشكوى مع كونها سببًا للكفارة من الذنوب ورفع الدرجات (وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان) أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني وعقلي (عند الموت) بنزغاته التي تزل الأقدام وتصارع العقول والأحلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>