ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا،
ــ
والآخرة ما ل يحصيه إلا الله وقوله:((ما تحول به)) ، كذا وقع في أكثر نسخ المشكاة، وهكذا في المصابيح، وشرح السنة، وابن السني، وعدة الحصن، ووقع في بعض نسخ المشكاة: ما يحول بالتحية، أي بالتذكير على أن الضمير لما وترك به وهكذا وقع في الترمذي، أي اجعل لنا من خوفك قسما ونصيبًا يحجب ويمنع هو بيننا وبينها واختلفت نسخ الحصن في ذلك (ومن طاعتك) ، بإعطاء القدرة عليها والتوفيق لها (ما تبلغنا) بتشديد اللام المكسورة، أي توصلنا أنت (به جنتك) ، أي مع شمولنا برحمتك، وليست الطاعة وحدها مبلغة (ومن اليقين) ، أي بك وبأنه لا راد لقضائك وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا وبأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وما أصابنا لم يكن ليخطئنا وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمه ومصلحة واستجلاب منفعة ومثوبة (ما تهون به) ، من التهوين أي تسهل به أنت بذلك اليقين (مصيبات الدنيا) ، وفي رواية الحاكم، وابن السني ((مصائب الدنيا)) ، أي من المرض والغم والجراحة وتلف المال والأولاد فإن من علم يقينًا أن ما يصيبه من المصيبات في الدنيا يعطيه الله عوضه في الآخرة الثواب ويكفر السيئات ويرفع الدرجات لا يغتم بما أصابه ولا يحزن بما نابه بل يفرح بذلك غاية حرصه على تحصيل الثواب (ومتعنا) ، أي التمتيع، أي اجعلنا متمتعين منتفعين (بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا) ، أي بأن نستعملها في طاعتك، وقال ابن الملك: التمتيع بالسمع والبصر إبقاءهما صحيحين إلى الموت (ما أحييتنا) ، أي مدة حياتنا، قال الطيبي: وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتيع بهما حذرًا من الانخراط في سلك الذين ختم لله عَلَى قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولما حصلت المعرفة بالأولين يترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه - انتهى. والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها فيكون تعميمًا بعد تخصيص (واجعله) ، أي كل واحد منها أو أي المذكور من الأسماع والأبصار والقوة، فالضمير راجع لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره على تأيلها بالمذكور، أي اجعل ما متعتنا به (الوارث) ، أي الباقي (منا) ، أي بأن يبقى إلى الموت. قال البغوي: قوله ((واجعله الوارث منا)) ، أي أبقه معي حتى أموت. قيل: أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به وبالبصر الاعتبار بما يرى، وقيل: يجوز أن يكون أراد بقاء السمع والبصر بعد الكبر وانحلال القوى فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها ورد الهاء إلى الإمتاع فلذلك وحده فقال ((واجعله الوارث منا)) - انتهى. وقال في اللمعات: الضمير في قوله اجعله للمصدر المحذوف الذي هو الجعل أي اجعل الجعل وهو المفعول المطلق وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا في محل المفعول الثاني أي اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة منا، والكلالة قرابة ليست من جهة