واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.
ــ
الولادة وهذا الوجه قد ذكره بعض النحاة في قولهم: أن المفعول قد يضمر ولكن لا يتبادر إلى الفهم من الفظ ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى. وقيل: أن الضمير فيه للمتمتع الذي هو مدلول متعنا والمعنى اجعل تمتعنا بها باقيًا مأثورًا فيمن بعدنا لأن وارث المرأ لا يكون إلا الذي يبقى بعده وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان و ((منا)) صلته، وهذا المعنى يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ}(٢٦: ٨٤) وقيل: معنى وراثنه دوامه إلى يوم الحاجة إليه يعني يوم القيامة والأول أوجه لأن الوارث إنما يكون باقيًا في الدنيا. وقيل: إن الضمير للأسماع والأبصار والقوة بتأويل المذكور ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلف فيها، وإنما التكليف فيما قيل: أن الضمير راجع إلى أحد المذكورات، ويدل ذلك على وجود الحكم في الباقي لأن كل شيئين تقاربا في معنييهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر والمعنى بوراثتها لزومها إلى موته لأن الوارث يلزم إلى موته - انتهى. (واجعل ثأرنا) بالهمزة بعد المثلثة المفتوحة، أي إدراك ثأرنا (على من ظلمنا) ، أي مقصورًا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما كان معهودًا في الجاهلية فنرجع ظالمين بعد أن كنا مظلومين. وأصل الثأر الحقد والغضب ثم غلب استعماله في طلب الدم من القاتل يقال ثأرت القتيل وبالقتيل، أي قتلت قاتله (وانصرنا على من عادانا) ، أي ظفرنا عليه وانتقم منه، (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) ، أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء وأكل الحرام والفترة في العبادة وغيرها (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) ، ((الهم)) القصد والحزن، أي لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا أو لا تجعل أكبر قصدنا أو حزننا لأجل الدنيا بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفًا في عمل الآخرة، وفيه أن قليلاً من الهم فيما لابد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب بل واجب (ولا مبلغ علمنا) ، أي غاية علمنا، أي لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة متفحصين عن العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الآخرة والمبلغ بفتح الميم واللام بينهما موحدة ساكنة. الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي: لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين فإن الظالم لا يرحم الرعية. وقيل: المراد ملائكة العذاب في القبر وفي النار ولا مانع من إرادة معنى الجمع هذا وقد أطال الشوكاني في شرح هذا الدعاء وأطاب في بيان فوائده في تحفة الذاكرين (ص٣٠٠، ٣٠١) فارجع إليه (رواه الترمذي) في الدعوات، وأخرجه أيضًا النسائي، وابن السني (ص١٤٣) ، والحاكم (ج١: ص٥٢٨) ، والبغوي (ج٥: ص١٧١)(وقال: هذا حديث حسن غريب) . وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري