فكأن التصحيح قائم على هذا الوهم الذي فطن إليه الترمذي فرده، ومنشأ هذا الوهم والظن اتفاق الكنى وتحصل من هذا كله أن حديث الأعمى هذا ضعيف لا يحل الاحتجاج به، أما أولاً فلجهالة أبي جعفر المنفرد به عن عمارة بن خزيمة وعن أبي أمامة بن سهل، واختلاف الناس فيه، إذ زعم فريق أنه الخطمي وزعم فريق آخر أنه سواه، ولم يظهر لنا أصح القولين فوجدنا أن التوقف في ذلك هو المصير الصحيح، وأما ثانيًا فلتفرد ذلك الراوي المجهول المختلف فيه به دون غيره من أقرانه وممن هم أكثر منه حديثًا وتحديثًا وأكثر اجتماعًا بعمارة وبأبي أمامة وقد كان المظنون أن يرويه سواه إذا كان صحيحًا، وأما ثالثًا فلغرابة معنى الحديث وشذوذه عما عرفه الخاص والعام من أصول الإسلام وفروعه وعما علم بالضرورة منه فإن سؤال الله بخلقه كأن يقال يا الله أسألك بفلان أو أتوجه إليك بعبدك فلان أو نبيك فلان ونحو ذلك لم يعهد مثله في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة أو الأئمة وما نقل شيء من هذا النوع إلا ما جاء في الأخبار الواهية الباطلة، ومثل تلك الروايات لا يحل بها حكم من أحكام المياه والوضوء والطهارة فضلاً عن أن يثبت بها قاعدة من قواعد الإسلام ومناجاة الله وسؤاله، أما الروايات الصحيحة فلم يجئ في شيء منها من ذلك هذا، وأما الكلام على الحديث من جهة المعنى على افتراض كونه حسنًا أو صحيحًا فيقال إنه دليل جلي على بطلان ما ذهب إليه المجوزون وذلك أن المراد بقوله أتوجه إليك بنبيك التوجه بدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا بذاته ولا بشخصه، والدليل على ذلك أن أصل المسألة كان في الدعاء وفي طلبه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن أصلها في سؤال الله بجاهه أو بذاته حتى يصح ما زعمه المجوزون. ومن الدليل عليه أيضًا قوله في خاتمة الحديث ((اللهم شفعه فيَّ)) فالأمر إذا أمر شفاعة. ومن الدليل عليه قوله أيضًا ((وإن شئت دعوت)) وقد شاء بلا خلاف، ولا شك فقد دعا أيضًا بلا خلاف، ولا شك قد علق الدعاء بالمشيئة والمشيئة قد وقعت فالدعاء كذلك قد وقع وهو مثل حديث الاستسقاء بالعباس. ومثل قول الفاروق رضي الله عنه: اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. وهم كانوا يتوسلون بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته لا بذاته وشخصه، وهذا ظاهر في الشرع وفي اللسان إلا عمن حجب الله بصيرته فإن قيل: إن هذا عدول عن ظاهر الخبر وهو لا يجوز الذهاب إليه إلا بدليل ملجئ ولا دليل على هذا العدول قلنا: إن من الكذب القول بأن ما ذهب إليه المجوزون هو ظاهر الخبر بل الظاهر هو ما ذهب إليه المانعون وهو مقتضى اللغة العربية فإنه لا يفهم من قوله عليه الصلاة والسلام في تعليمه الدعاء ((اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك)) وقوله ((توجهت بك)) إلا التوجه بالعمل لا بالذات والعمل هنا هو الدعاء والشفاعة بلا ريب. فإن قيل: إن هذا يقضي بأن يكون في الحديث كلمة محذوفة وهي كلمة الدعاء والشفاعة التي تزعمون أن التوجه والسؤال بها لا بالذات فيقدر في قوله ((أتوجه إليك بنبيك)) بدعاء نبيك، وفي قوله ((توجهت بك)) بدعائك، وهذا تقدير وادعاء في الحديث لا دليل عليه ولا ملجأ إليه أجيب أن التقدير في الحديث يجب على قول المجوزين وقول المانعين وعلى كل قول، فالمجوزون يقولون التقدير: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بذات نبيك أو بحرمته أو بجاهه أو بكرامته عليه أو مكانته لديك ونحو ذلك من