وجوب الابتداء ولو سلم أنه فرض من قبل العاشرة سنة خمس لما وقع في قصة ضمام بن ثعلبة من ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي ومحمد بن حبيب سنة خمس، أو فرض سنة ست كما هو المشهور عند الجمهور بناء على أنها نزل فيها قوله تعالى:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} وأن المراد بالإتمام ابتداء الفرض لما ورد في قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ: ((وأقيموا)) أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم فكان تراخيه - صلى الله عليه وسلم - لعذر مع علمه ببقاء حياته ليكمل التبليغ وسيأتي بيان العذر في ذلك والإشكال إنما هو في التراخي مع عدم العذر. قال ابن الهمام: إن تأخيره عليه الصلاة والسلام ليس يتحقق فيه تعريض الفوات وهو الموجب للفور لأنه كان يعلم أنه يعيش حتى يحج ويعلم الناس مناسكهم تكميلاً للتبليغ. قال القاري: والأظهر أنه عليه الصلاة والسلام أخره عن سنة خمس أو ست لعدم فتح مكة، وأما تأخيره عن سنة ثمان فلأجل النسيء وأما تأخيره عن سنة تسع فلما ذكرنا في رسالة مسماة بالتحقق في موقف الصديق وقال ابن رشد في مقدماته: أما قول من قال إن حجة أبي بكر كانت تطوعًا لأنه حج في ذي القعدة قبل وقت الحج على النسيء وإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أخر إلى عام عشر ليوقعه في وقته فليس ذلك عندي بصحيح بل حج أبي بكر في ذي القعدة هو وقته حينئذٍ شرعًا ودينًا قبل أن ينسخ النسيء ثم حج النبي في ذي الحجة من العام المقبل وأنزل الله {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}(٩: ٣٧) فنسخ ذلك النسيء ولو كان في الحج فرض في ذي الحجة ونسخ النسيء عند فرض الحج قبل حج أبي بكر لما حج أبو بكر في ذلك العام إلا في ذي الحجة ولا مكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في ذلك العام لو شاء فيه فالصحيح أنه إنما أخر الحج في ذلك العام للعراة الذين كانوا يطوفون بالبيت من المشركين حتى يعهد إليهم في ذلك ما جاء في الحديث لا ليوقعه في ذي الحجة إذ كان قادرًا على أن يوقعه في ذلك العام في ذي الحجة - انتهى. وقال التوربشتي في شرح المصابيح: قد ذهب قوم إلى أن تأخير الحج بعد الفتح إنما كان للنسيء المذكور في كتاب الله وهو تأخير الأشهر عن مواضعها حتى عاد الحساب في الأشهر إلى أن أصله الموضع الذي بدأ الله به في أمر الزمان يوم خلق السماوات والأرض وإليه أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض. وهذا التأويل في سنة عتاب بن أسيد (أي في سنة ثمان بعد الفتح) محتمل، وفي العام الذي بعث أبا بكر أميرًا على أهل الموسم غير المحتمل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليأمر بالحج في غير وقته المعلوم، وقد ذكر بعض أهل العلم بالسير أن الحج عام الفتح وقع في ذي القعدة على الحساب الذي ابتدعوه وكانوا ينسأون في كل عامين من شهر إلى شهر وكان الحج عام حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ذي الحجة على الحساب القويم وإنما وجه استينائه بالحج إلى السنة العاشرة - والله أعلم - هو أن لم يرض أن يحضر الموسم وأهل الشرك حضور هناك، لأنه لو تركهم على ما يتدينون به من هديهم المخالف لدين الحق لكان ذلك وهنًا في الدين، ولو منعهم لأفضى ذلك إلى التشاغل إلى ما أرادوه من النسك بالقتال ثم إلى استحلال حرمة الحرم، وقد كان أخبر يوم الفتح أن حرمتها عادت إلى ما كانت عليه، وأنه لم يحل له إلا ساعة من النهار فرأى أن يبعث الناس إلى الحج وينادي في أهل