للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

الموسم أن لا يحج بعد العام مشرك ليكون حجه خاليًا عن العوارض التي ذكرناها، وقد ذكرنا لذلك وجوهًا غيرها في كتاب المناسك واكتفينا ها هنا بالقول الوجيز إيثارًا للاختيار - انتهى. قال الأبي المالكي في شرح صحيح مسلم: والقول بالتراخي إنما هو ما لم يخف الفوات وخوفه يكون بعلو السن وخوف تعاهد الأمراض، وعلو السن حده ابن رشد بالستين. والله أعلم. واختلف في أن الحج كان واجبًا على الأمم قبلنا أم وجوبه مختص بنا؟ قال القاري: الأظهر الثاني، واختار ابن حجر الأول مستدلاً بقوله: ((ما من نبي إلا وحج)) فهو من الشرائع القديمة، وجاء أن آدم عليه السلام حج أربعين سنة من الهند ماشيًا. قال القاري: وهذا كما ترى لا دلالة فيه على إثباته ولا على نفيه وإنما يدل على أنه مشروع فيما بين الأنبياء ولا يلزم من كونه مشروعًا أن يكون واجبًا مع أن الكلام إنما هو في الأمم قبلنا، ولا يبعد أن يكون واجبًا على الأنبياء دون أممهم، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام لما بلغ عسفان في حجة الوداع قال: لقد مر به هود وصالح على بكرين أحمرين خطهما الليف وأزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق رواه أحمد - انتهى. وأما فضل الحج فمشهور قد وردت فيه النصوص الحديثية الكثيرة الصحيحة وسيأتي بعضها في الكتاب وأما حكمه وأسراره وفوائده ومصالحه المرعية فيه فهي أكثر من أن تحصى ولا يوفيها بيانًا إلا التصانيف المستقلة وقد نوه بها حكماء الإسلام وأشادوا بها في مؤلفاتهم ولنلم بنبذة منها ليقف القارئ على قُلّ من كُثر من أسرار شريعته الرشيدة وأهدافها الحميدة فيرى أن له دينًا يهدف بعبادته إلى صلاح الدين والدنيا. قال صاحب تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: هذا المؤتمر الإسلامي العظيم وهذا الاجتماع الحاشد فيه من المنافع الدينية والدنيوية والثقافية والاجتماعية والسياسية ما يفوت الحصر والعد، أما الدينية فما يقوم به الحاج من هذه العبادة الجليلة التي تشتمل على أنواع من التذلل والخضوع بين يدي الله تعالى فمنها تقحم الأسفار وإنفاق الأموال والخروج من ملاذ الحياة بخلع الثياب واستبدالها بإزار ورداء حاسر الرأس وترك الطيب والنساء وترك الترفة بأخذ الشعور والأظفار ثم التنفل بين هذه المشاعر. كل هذا بقلوب خاشعة وأعين دامعة وألسنة مكبرة ملبية قد حدا بهم الشوق إلى بيت ربهم ناسين في سبيل ذلك الأهل والأوطان والأموال والنفس النفيس. وأما الثقافية فقد أمر الله بالسير في الأرض للاستبصار والاعتبار ففيه من معرفة أحوال الناس والاتصال بهم والتعرف على شئون الوفود التي تمثل أصقاع العالم كله ما يزيد الإنسان بصيرة وعلمًا إذا تحاك بعلمائهم واتصل بنبهائهم فيجد لكل علم وفن طائفة تمثله. وأما الاجتماعية والسياسية فإن الحج مؤتمر عظيم يضم وفودًا متنوعة العلوم مختلفة الثقافات متباينة الاتجاهات والنزعات فإذا كل حزب بحزبه وطائفة بشبيهتها ومثلوا ((لجان الحكومة الواحدة)) ودرسوا وضعهم الغابر والحاضر والمستقبل. ورأوا ما الذي أخرهم وما الذي يقدمهم وما هي أسباب الفرقة بينهم وما أسباب الائتلاف والاجتماع وتوحيد الكلمة؟ وبحثوا شئونهم الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية

<<  <  ج: ص:  >  >>