على أساس المحبة والوئام وبروح الوحدة والالتئام وأصبحوا يدًا واحدة ضد عدوهم وقوة مرهوبة في وجه المعتدي عليهم وبهذا يصير لهم كيان مستقل خاص له مميزاته وأهدافه ومقاصده يسمع صوته ويصغى إلى كلمته ويحسب له ألف حساب وبهذا يعود للمسلمين عزهم ويرجع إليهم سؤددهم ويبنون دولة إسلامية دستورها كتاب الله وسنة رسوله وشعارها العدل والمساواة وهدفها الصالح العام وغايتها الأمن والسلام حينئذٍ تتجه إليهم أنظار الدنيا وتسلم الزمام بأيديهم فيقوضون مجالس بنيت على الظلم والبغي ويبنون على أنقاضها العدل والإحسان وبهذا يقر السلام ويستتب الأمن وتتجه المصانع النهوج التي تصنع للموت الذريع أسلحة الدمار والخراب إلى أن تخترع المعدات التي تساعد على التثمير والتصنيع وإخراج خيرات الأرض فتحقق حكمة الله بخلقه حيث يحل الخصب والرخاء والأمن والسلام، مكان الجدب والغلاء والخوف والدماء، وإذا علم المسلم المؤمن ثمرات هذه الاجتماعيات الإسلامية فهم جيدًا أن له دينًا عظيمًا جليل القدر يقصد منها بعد عبادة الله صلاح الكون واتساقه لأن الاجتماع هو أعظم وسيلة لجمع الأمة وتوحيد الكلمة، ولذا فإنه عني بالاجتماعات عناية عظيمة تحقيقًا للمقاصد الكريمة، ففرض على أهل المحلة الاجتماع في مسجدهم كل يوم خمس مرات، وفرض على أهل البلد عامة الاجتماع للجمعة في كل أسبوع، وفرض على المسلمين الاجتماع في كل عام - انتهى. وقال الشيخ مصطفى السقاء في مقدمته على القرى لقاصد أم القرى: لفريضة الحج من الفضائل النفسية والاجتماعية ما لا يخفى على المتأمل فمن أول تلك الفضائل تعظيم ذلك البيت المقدس وعمارته إذ هو الرمز الباقي لقيام ديانة التوحيد في الأرض، وخلاص الإنسان من فوضى الوثنية والنحل الزائغة الضالة {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}(٣: ٩٦) ومن ذلك تعمير الأرض المقدسة التي حضنت ذلك الدين الجديد دين التوحيد إلى أن ترعرع وقوى، ونما وانتشر وقضى على الأوثان والأصنام في جزيرة العرب أولاً، فلولا هذه البيئة البعيدة عن معترك الحياة الصاخبة بتيارات المدنيات وغطرسة الملوك والجبابرة لم يتح لهذا الدين أن ينمو ويذيع، وحسبنا دليلاً على هذا ما لقيه إبراهيم من اضطهاد بين قومه وعشيرته حتى اضطروا إلى الهجرة بدينه من بلاده، والآية الكريمة {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(١٤: ٣٧) مفصحة بهذا المعنى أي إفصاح. ثم بسط في ذكر المنافع السياسية والاجتماعية بنحو ما تقدم، ثم قال: أما الفائدة التهذيبية التي يجنيها الحاج من رحلته فهي رياضة النفس وتذليلها فإن أعمال الحج منذ يشرع الحاج في توجيه النية والنطق بالتلبية تدخل في نفسه شعورًا قلبيًا بالقرب من الله ولا يزال هذا الشعور ينمو ويزيد كلما اقترب من الأماكن المقدسة حتى إذا حل تلك الرحاب النضرة والساحات المطهرة وانغمس في أداء الأعمال شعر بسمو روحي وفيض إلهي يدب في نفسه وينتقل