للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

واشترط بعض المالكية في الصنعة المذكورة أن لا تكون مرزية به. واعلم أن المالكية اختلفوا في الفقير الذي عادته سؤال الناس في بلده وعادة الناس إعطاؤه، وذلك السؤال هو الذي منه عيشته إذا علم أنه إن خرج حاجًا وسأل أعطاه الناس ما يعيش به كما كانوا يعطونه في بلده، هل سؤاله الناس وإعطاؤهم إياه يكون بسببه مستطيعًا لقدرته على الزاد بذلك فيجب عليه الحج بذلك أو لا يجب عليه بذلك؟ فذهب بعضهم إلى أن ذلك لا يجب عليه به الحج ولا يعد استطاعة، وذهب أكثر المالكية إلى أن الفقير الذي عادته السؤال في بلده وعادة الناس إعطاؤه إذا كانت عادتهم إعطاؤه في سفر الحج كما كانوا يعطونه في بلده أنه يعد بذلك مستطيعًا، وأن تحصيله زاده بذلك السؤال يعد استطاعة. قال الشنقيطي: والذي يظهر لي رجحانه بالدليل من هذين القولين في هذه المسألة هو: القول الأول، وهو أن الحج لا يجب على من يعيش في طريقه بتكفف الناس، وأن سؤال الناس لا يعد استطاعة. ومن الأدلة الدالة على ذلك عموم قوله جل وعلا: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} (٩: ٩٢) الآية. وقد قدمنا مرارًا أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب فقد صرح تعالى في هذه الآية برفع الحرج عن الذين لا يجدون ما ينفقون، ولا شك أن الذي يتكفف الناس لشدة فقره داخل في عموم {الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} وقد صرح تعالى بنفي الحرج عنهم، فيلزم من ذلك نفي الحرج عنه في وجوب الحج وهو واضح، ولكن كثيرًا من متأخري علماء المالكية خصصوا هذه الآية بمن ليس عادته السؤال في بلده قالوا: فلم تتناول محل النزاع. قال الشنقيطي: ظاهر الآية العموم في جميع {الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} ، فتخصيصها بمن ليس عادته السؤال بدون دليل من كتاب أو سنة لا يصح ولا يعول عليه، وقد تقرر في الأصول أنه لا يمكن تخصيص العام إلا بدليل يجب الرجوع إليه سواء كان من المخصصات المتصلة أو المنفصلة، ومما يؤيد هذا في الجملة ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس. قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا المدينة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (٢: ١٩٧) قال الحافظ في الفتح في الكلام على هذا الحديث: قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافًا، فإن قوله: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أي: تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك - انتهى. قال الشنقيطي: وفيه دليل ظاهر على حرمة خروج الإنسان حاجًا بِلا زاد ليسأل الناس، وظاهرها العموم في كل حاج يسأل الناس فقيرًا كان أو غنيًا كانت عادته السؤال في بلده أولاً وحمل النصوص على ظواهرها يجب إلا بدليل يجب الرجوع إليه، ومما يؤيد هذا أن الذين مدحهم الله في كتابه بتركهم سؤال الناس كانوا من أفقر الفقراء كما هو معلوم، وقد صرح تعالى بأنهم فقراء وأشار لشدة فقرهم وذلك في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} (أي بظهور آثار الفقر والحاجة عليهم) {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} (٢: ٢٧٣) الآية. فصرح بأنهم فقراء، وأثنى عليهم بالتعفف وعدم السؤال. قال: فالآية الكريمة

<<  <  ج: ص:  >  >>