تدل بمنطوقها على الثناء على الفقير الصابر المتعفف عن مسألة الناس وتدل بمفهومها على ذم سؤال الناس، والأحاديث الواردة في ذم السؤال مطلقًا كثيرة جدًا، وبذلك كله تعلم أن سؤال الناس ليس استطاعة على ركن من أركان الإسلام وأن قول بعض المالكية ((أنه لا يعد استطاعة)) هو الصواب، وهو قول جمهور أهل العلم، وممن ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، ونقله ابن المنذر عن الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق، وبه قال بعض أصحاب مالك. قال البغوي: وهو قول العلماء - انتهى. والاستطاعة عند أبي حنيفة الزاد والراحلة. فلو كان يقدر على المشي وعادته سؤال الناس لم يجب عليه الحج عنده، وحاصل مذهب الحنيفة أن مقدار ما يتعلق به وجوب الحج ملك مال يبلغه إلى مكة ذاهبًا وراجعًا، راكبًا في جميع السفر لا ماشيًا بنفقة متوسطة، فاضلاً عن: مسكنه، وخادمه، وفرسه، وسلاحه، وآلات حرفته، وثيابه، وأثاثه، ونفقة من عليه نفقته، وكسوته، وقضاء ديونه ولو مؤجلة إلى حين عوده. ولا يشترط نفقة لما بعد إيابه لا سنة ولا شهرًا ولا يومًا. والاستطاعة في مذهب الشافعي: الزاد والراحلة بشرط أن يجدهما بثمن المثل، فإن لم يجدهما إلا بأكثر من ثمن المثل سقط عنه وجوب الحج، ويشترط عند الشافعية في الزاد ما يكفيه لذهابه ورجوعه فاضلاً عما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقتهم وكسوتهم مدة ذهابه ورجوعه وفاضلاً عن مسكن وخادم يحتاج إليهما وعن قضاء دين يكون عليه حالاً كان أو مؤجلاً. ويشترط عندهم أيضًا أن يكون صحيحًا لا مريضًا، ولا ينبغي أن يختلف في أن المرض القوي الذي يشق معه السفر مشقة فاضحة مسقط لوجوب الحج. ويشترط عندهم أيضًا أن يكون الطريق آمنًا من غير خفارة، والخفارة مثلثة الخاء: هي المال الذي يؤخذ على الحاج، ويشترط عندهم أيضًا أن يكون عليه من الوقت ما يتمكن فيه من السير والأداء، فإن كان بينه وبين مكة مسافة تقصر فيها الصلاة وكان قادرًا على المشي على رجليه ولم يجد راحلة أو وجدها بأكثر من ثمن المثل أو أجرة المثل لم يجب عليه الحج عندهم، ولا يعد قدرته على المشي استطاعة عندهم لحديث: الزاد والراحلة في تفسير الاستطاعة، وإن لم يجد ما يصرفه في الزاد والماء ولكنه كسوب ذو صنعة يكتسب بصنعته ما يكفيه ففي ذلك عندهم تفصيل، وهو أنه إن كان لا يكتسب في اليوم إلا كفاية يوم واحد لم يجب عليه الحج، لأنه ينقطع عن الكسب في أيام الحج، وإن كان يكتسب في اليوم كفاية أيام لزمه الحج. وقال إمام الحرمين: وفيه احتمال يعني أنه يحتمل عدم وجوب الحج بذلك مطلقًا، فإن القدرة على الكسب يوم العيد لا تجعل كملك الصاع في وجوب الفطرة. والاستطاعة عند أحمد هي الزاد والراحلة. قال ابن قدامة في المغني: والاستطاعة المشترطة ملك الزاد والراحلة وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشافعي، وإسحاق. قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم. وقال عكرمة: هي الصحة. قال ابن قدامة: ويختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي إلى مكة وبينه وبينها مسافة دون القصر فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه لأنها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه، وإن كان ممن لا يمكنه المشي (كشيخ كبير) اعتبر وجود الحمولة في حقه لأنه عاجز