عن المشي فهو كالبعيد، وأما الزاد فلا بد منه، قربت المسافة أو بعدت مع الحاجة إليه. فإن لم يجد زادًا ولا قدر على كسبه لم يلزمه الحج. والزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكول ومشروب وكسوة، إلى أن قال: وأما الراحلة فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله إما بشراء أو كراء لذهابه ورجوعه. وإن كان ممن لا يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبرت القدرة على من يخدمه لأنه من سبيله، ويعتبر أن يكون هذا فاضلاً عما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مئونتهم في مضيه ورجوعه، لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد، وقد روى عبد لله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود، ويعتبر أن يكون فاضلاً عما يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم، وما لا بد منه، وأن يكون فاضلاً عن قضاء دينه، لأن قضاء الدين من حوائجه الأصلية ويتعلق به حقوق الآدميين فهو آكد، وسواء كان الدين لآدمي معين أو من حقوق الله تعالى - كزكاة في ذمته أو كفارات ونحوها - وهل يعتبر في الاستطاعة أن يكون له إذا رجع من حجه ما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام أولاً يعتبر ذلك؟ بل يكفي لوجوب الحج أن يكون عنده من النفقة ما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام أو لا يعتبر ذلك؟ بل يكفي لوجوب الحج أن يكون عنده من النفقة ما يقوم بكفايته وكفاية عياله مدة ذهابه للحج ورجوعه فقط وفاقًا: للحنفية، والمالكية، والشافعية. وهما روايتان عند الحنابلة، والمقدم عندهم اعتبارًا هي الرواية الأولى يعني: أن يكون فاضلاً عن مئونته ومؤنت عياله على الدوام حتى بعد رجوعه من عقار أو بضاعة يتجر فيها أو صناعة ونحوها. وقال ابن جاسر في مفيد الأنام: والرواية الثانية أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى، لأن القول بأن الإنسان لا يكون مستطيعًا للحج إلا إذا كان عنده من النفقة بعد رجوعه من الحج ما يكفيه ويكفي عياله على الدوام أي دوام حياته يقضي بأن لا يكون غالب الأغنياء مستطيعين للحج لأنه قل من يثق من الأغنياء أن عنده من المال ما يكفيه ويكفي عياله على الدوام، هذا ما ظهر لي والله أعلم. قال ابن قدامة: ومن له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله أو يحتاج إلى أجرته لنفقة نفسه أو عياله، أو بضاعة متى نقصها اختل ربحها فلم يكفيهم، أو سائمة يحتاجون إليها لم يلزمه الحج، وإن كان من ذلك شيء فاضل عن حاجته وأمكنه بيعه وشراء ما يكفيه ويفضل قدر ما يحج به لزمه، وإن كانت له كتب يحتاج إليها لم يلزمه بيعها في الحج، وإن كانت مما لا يحتاج إليها أو كان له بكتاب نسختان يستغني بأحدهما باع ما لا يحتاج إليه، فإن كان له دين على ملئ باذل له يكفيه للحج لزمه لأنه قادر، وإن كان على معسر أو تعذر استيفاؤه عليه لم يلزمه – انتهى. وإذا علمت أقوال أهل العلم ففي معنى الاستطاعة المذكورة في قوله تعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وعرفت مذاهبهم في ذلك فاعلم أن الأكثرين الذين فسروا الاستطاعة بالزاد والراحلة احتجوا لذلك بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تفسير الاستطاعة في الآية بالزاد والراحلة، وقد روى عنه ذلك غير واحد من الصحابة، منهم ابن عمر رضي الله عنه، أخرج حديثه الترمذي وغيره وهو الذي نحن في شرحه، وهو حديث ضعيف كما ستعرف، ومنهم ابن عباس رواه عنه ابن ماجة والدارقطني، وهو حديث صالح للاحتجاج، ومنهم أنس روى حديثه