إحدى الروايتين عن ابن معين أنه قال: أبو قتادة الحراني ثقة، ذكرها عنه ابن حجر والذهبي. وقول من قال: لعله كبر فاختلط، تخمين وظن لا يثبت به اختلاطه، ومعلوم أن المقرر في الأصول وعلوم الحديث: أن الصحيح أن التعديل يقبل مجملاً، والتجريح لا يقبل إلا مفصلاً، مع أن رواية سعيد بن أبي عروبة عن أنس ليس في أحد من رواتها كلام. ومما يؤيد ذلك موافقة الحافظ النقادة الذهبي للحاكم على تصحيح متابعة حماد، مع أن حديث أنس الصحيح المذكور معتضد بمرسل الحسن، ولاسيما على قول من يقول: إن مراسيله صحاح إذا روتها عنه الثقات كابن المديني وغيره، ويؤيد ذلك أن مشهور مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد الاحتجاج بالمراسيل ويؤيده أيضًا الأحاديث المتعددة التي ذكرنا، وإن كانت ضعافًا لأنها تقوي غيرها ولاسيما حديث ابن عباس، فإنا قد ذكرنا سنده وبينا أنه لا يقل عن درجة الاحتجاج. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا فتصلح للاحتجاج ومما يؤيد الحديث المذكور أن أكثر أهل العلم على العمل به كما قدمنا عن أبي عيسى الترمذي أنه قال في حديث ((الزاد والراحلة)) : والعمل عليه عند أهل العلم، وقد بينا أنه قول الأكثرين منهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد، فالحاصل أن حديث الزاد والراحلة لا يقل بمجموع طرقه عن درجة القبول والاحتجاج. ثم قال الشنقيطي: الذي يظهر لي - والله أعلم - أن حديث الزاد والراحلة وإن كان صالحًا لاحتجاج لا يلزم منه أن القادر على المشي على رجليه بدون مشقة فادحة لا يلزمه الحج إن كان عاجزًا عن تحصيل الراحلة، بل يلزمه الحج لأنه لا يستطيع إليه سبيلاً كما أن صاحب الصنعة التي يحصل منه قوته في سفر الحج يحب عليه الحج، لأن قدرته على تحصيل الزاد في طريقه كتحصيله بالفعل فإن قيل: كيف قلتم بوجوبه على القادر على المشي على رجليه دون الراحلة مع اعترافكم بقبول تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - ((السبيل)) بالزاد والراحلة؟ وذلك يدل على أن المشي على الرجلين ليس من السبيل المذكور في الآية فالجواب من وجهين الأول: أن الظاهر المتبادر أنه - صلى الله عليه وسلم - فسر الآية بأغلب حالات الاستطاعة، لأن الغالب أن أكثر الحجاج آفاقيون قادمون من بلاد بعيدة، والغالب عجز الإنسان عن المشي على رجليه في المسافات الطويلة وعدم إمكان سفره بلا زاد، ففسر - صلى الله عليه وسلم - الآية بالأغلب، والقاعدة المقررة في الأصول: أن النص إذا كان جاريًا على الأمر الغالب لا يكون له مفهوم مخالفة، ولأجل هذا منع جماهير العلماء تزويج الرجل ربيبته التي لم تكن في حجره قائلين: إن قوله تعالى: {اللَاّتِي فِي حُجُورِكُم}(٤: ٢٧) جرى على العادة، فلا مفهوم مخالفة له، فيجب الحج على القادر على المشي على رجليه، إما لعدم طول المسافة وإما لقوة ذلك الشخص على المشي، وكذلك يجب على ذي الصنعة التي يحصل منها قوته في سفره، لأنه في حكم واجد الزاد في المعنى، والعلم عند الله تعالى، والوجه الثاني: أن الله جل وعلا سوى في كتابه بين الحاج الراكب والحاج الماشي على رجليه، وقدم الماشي على الراكب، وذلك في قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ