للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (٢٢: ٢٨) انتهى. وقال ابن تيمية: في شرح العمدة بعد سرده لما ورد في ذلك: فهذه الأحاديث مسندة من طرق حسان ومرسلة موقوفة تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة مع علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كثيرًا من الناس يقدرون على المشي، وأيضًا فإن الله قال في الحج: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} إما أن يعني القدرة المعتبرة في جميع العبادات وهو مطلق المكنة أو قدرًا زائدًا على ذلك، فإن كان المعتبر هو الأول لم يحتج إلى هذا التقييد كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة، فعلم أن المعتبر قدر زائد في ذلك وليس هو إلا المال، وأيضًا فإن الحج عبادة مفتقرة إلى مسافة فافتقر وجوبها إلى ملك الزاد والراحلة كالجهاد، ودليل الأصل قوله: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} إلى قوله: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} (٩: ٩٢) الآية - انتهى. قلت: الراجح عندنا أن العاجز عن تحصيل الراحلة أو ما يقوم مقامها القادر على المشي على رجليه لا يلزمه الحج لتفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - استطاعة السبيل المذكورة في الآية بالزاد والراحلة، وهو يدل على اعتبار الراحلة للزوم الحج، وأما حمل ذلك على أنه - صلى الله عليه وسلم - فسر الآية بأغلب حالات الاستطاعة فلا دليل عليه، والاستشهاد لذلك بقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُم} فيه نظر لأن ها هنا قرينة تدل على أن الخطاب في هذه الآية خرج مخرج الغالب، وهي ما ورد في رواية للبخاري في قصة عرض أم حبيبة أختها عزة بنت أبي سفيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي أي بنت أبي سلمة، فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة وحكم بالتحريم بذلك. وأما قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} فلا دليل فيه على وجوب الحج على القادر على المشي العاجز عن الراحلة، وأما أكثر ما فيه أنه استدل به بعض العلماء على أن الحج ماشيًا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبًا، لأنه قدمهم في الذكر، خلافًا لما ذهب إليه الأكثرون من أن الحج راكبًا أفضل إقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه حج راكبًا مع كمال قوته وقدرته على المشي. وقال ابن قدامة: ومن تكلف الحج ممن لا يلزمه فإن أمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره مثل أن يمشي ويكتسب بصناعة كالخرز، أو معاونة من ينفق عليه، أو يكتري لزاده، ولا يسأل الناس استحب له الحج لقول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فقدم ذكر الرجال، ولأن في ذلك مبالغة في طاعة الله عز وجل وخروجًا من الخلاف وإن كان يسأل الناس كره له الحج لأنه يضيق على الناس ويحصل كلاً عليهم في التزام ما لا يلزمه - انتهى. قلت: وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم. وقال مالك: ليستا أي الزاد والراحلة من شرط وجوبه، فإذا قدر راجلاً وله صنعة أو من عادته السؤال فهو مستطيع كما ذكرنا في بيان مذهبه وما عليه الجمهور هو مقتضى القواعد الشرعية. قال ابن تيمية: كل عبادة اعتبر فيها المال فالمعتبر ملكه لا القدرة على ملكه كتحصيله بصنعة أو قبول هبة أو مسألة أو أخذ من صدقة أو بيت مال - انتهى. وهذا كله يتعلق بالمستطيع بنفسه، وأما ما يسمونه المستطيع بغيره فقد تقدم الكلام فيه في شرح حديث الخثعمية وهو نوعان: الأول منهما هو من لا يقدر على الحج بنفسه لكونه زمنًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>