أو هرمًا ونحو ذلك، ولكنه له مال يدفعه إلى من يحج عنه، فهل يلزمه الحج نظرًا إلى أنه مستطيع بغيره فيدخل في عموم قوله:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} أو لا يجب عليه الحج لأنه عاجز غير مستطيع بالنظر إلى نفسه فلا يدخل في عموم الآية، وبالقول الأول قال الشافعي وأصحابه، فيلزمه عندهم أجرة أجير يحج عنه بشرط أن يجد ذلك بأجرة المثل. قال النووي: وبه قال جمهور العلماء منهم علي بن أبي طالب، والحسن البصري، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وداود. وقال مالك: لا يجب عليه ذلك، ولا يجب إلا أن يقدر على الحج بنفسه. واحتج لذلك بقوله تعالى:{لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(٥٣: ٤٠) وبقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وهذا لا يستطيع بنفسه فيصدق عليه اسم غير المستطيع، وبأنها عبادة لا تصح فيها النيابة مع القدرة، فكذلك مع العجز كالصلاة، واحتج الأكثرون القائلون بوجوب الحج عليه بأحاديث رواها الجماعة، منها: حديث ابن عباس في قصة استفتاء الخثعمية وقد تقدم في الفصل الأول. ومنها: حديث أبي رزين العقيلي الآتي، ومنها: حديث علي في قصة الخثعمية أيضًا عند أحمد (ج: ص) ، والترمذي، والبيهقي (ج٤: ص٣٢٩) . ومنها: حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد (ج٤: ص٥) ، والنسائي. ومنها حديث ابن عباس أيضًا عند النسائي كلاهما بنحو قصة الخثعمية. والنوع الثاني من نوعي المستطيع بغيره هو من لا يقدر على الحج بنفسه وليس له المال يدفعه إلى من يحج عنه، ولكن له ولد يطيعه إذا أمره بالحج، والولد مستطيع، فهل يجب الحج على الولد ويلزمه أمر الولد بالحج عنه لأنه مستطيع بغيره؟ فيه خلاف بين أهل العلم. قال النووي في شرح المهذب: فرع في مذاهبهم في المعضوب إذا لم يجد مالاً يحج به غيره فوجد من يطيعه، قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الحج عليه، وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد: لا يجب عليه، وقد علمت أن مالكًا احتج في مسألة العاجز الذي له مال بقوله تعالى:{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وبأنه عاجز بنفسه فهو غير مستطيع إلى الحج سبيلاً، وبأن سعيد بن منصور وغيره رووا عن ابن عمر بإسناد صحيح: أنه لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن الليث ومالك، وأن الذين خالفوه احتجوا بالأحاديث التي أشرنا إليها وفيها ألفاظ ظاهرها الوجوب، كتشبيهه بدين الآدمي، وكقول السائل: يجزئ عنه أن تحج عنه، والإجزاء دليل المطالبة، وفي بعض رواياتها أن السائل يقول: إن عليه فريضة الحج، ويستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج عنه وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يبين له أن الحج سقط عنه بزمانته وعجزه عن الثبوت على الراحلة، وبقوله للولد ((أنت أكبر ولده)) وأمره بالحج عنه، وأما الذين فرقوا بين وجود المعضوب مالاً فأوجبوا عليه الحج وبين وجوده ولدًا يطيعه فلم يوجبوه، فلأن المال ملكه فعليه أن يستأجر به، والولد مكلف آخر ليس ملزمًا بفرض على شخص آخر، ولأنه وإن كان له ولد فليس بمستطيع ببدن ولا بزاد وراحلة، ولو وجد إنسانًا غير الولد يطيعه في الحج عنه، فهل يكون حكمه حكم الولد؟ فيه خلاف معروف، وأظهر الأقوال أنه كالولد،