وقال في ((غنية الناسك)) : أما الثوب فلا يجوز أن يطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام إجماعًا. وقيل يجوز في الثوب أيضاً عندهما كما في الفتح والبحر، والأولى أن لا يطيب ثوبه كما في اللباب - انتهى. وقال الباجى: إن مالكًا لا يجيز لأحد من الأمة استعمال الطيب عند الإحرام إذا كان طيب تبقى له رائحة بعد الإحرام، ولا يدهن بدهن فيه ريح تبقى، وإن تطيب لإحرامه فلا فدية عليه، لأن الفدية بإتلاف الطيب في وقت ممنوع من إتلافه وهذا أتلفه قبل ذلك، وإنما تبقى منه بعد الإحرام الرائحة، وليس ذلك بإتلاف فتجب الفدية، ورأيت لبعض الفقهاء أن من تطيب قبل الإحرام بما تبقى رائحته فهو بمنزلة من تطيب بعد الإحرام، لأن استدامته كابتداء التطيب، فإن أراد بذلك أنه ممنوع في الحالتين فهو صحيح، وإن أراد به وجوب الفدية فليس بصحيح لأنها إنما تجب بإتلاف الطيب أو لمسه - انتهى. وفى الشرح الكبير للدردير: وحرم عليهما تطيب بكورس إلا طيبًا يسيرًا باقيًا في ثوبه أو بدنه مما تطيب به قبل إحرام فلا فدية عليه وإن كره. قال الدسوقي: أي بشرط أن يكون الباقي أثره أو ريحه مع ذهاب جرمه، هذا مقتضى كلام سند، والذي يظهر من كلام الباجي وغيره أنها لا تسقط الفدية إلا في بقاء ريحه دون الأثر، فقد اتفق الجميع على أنه إذا كان الباقي شيئًا من جرمه فالفدية واجبة. وإن كان الباقي رائحته فلا فدية. والخلاف فيما إذا كان الباقي أثره أي لونه دون جرمه، فقيل بعدم وجوبها وقيل بوجوبها - انتهى. قال الشنقيطي: أظهر قولي أهل العلم عندي أنه إن طيب ثوبه قبل الإحرام فله الدوام على لبسه كتطييب بدنه، وإنه إن نزع عنه ذلك الثوب المطيب بعد إحرامه فليس له أن يعيد لبسه، فإن لبسه صار كالذي ابتدأ الطيب في الإحرام فتلزمه الفدية، وكذلك إن نقل الطيب الذي تلبس به قبل الإحرام من موضع من بدنه إلى موضع آخر بعد الإحرام فهو ابتداء تطيب في ذلك الموضع الذي نقله إليه وكذلك إن تعمد مسه بيده أو نحاه من موضعه ثم رده إليه لأن كل تلك الصور فيها ابتداء تلبس جديد بعد الإحرام بالطيب وهو لا يجوز. أما إن كان قد عرق فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر فلا شيء عليه في ذلك لأنه ليس من فعله، ولحديث عائشة عند أبى داود الذي ذكرناه قريبًا , وقال بعض علماء المالكية: ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطيب في بدنه أو ثوبه، إلا أنه إذا نزع ثوبه لا يعود إلى لبسه، فإن عاد فهل عليه في العود فدية؟ يحتمل أن نقول: لا فدية، لأن ما فيه قد ثبت له حكم العفو كما لو لم ينزعه، وقال أصحاب الشافعي: تجب عليه الفدية لأنه لبس جديد وقع بثوب مطيب - انتهى من الحطاب. قلت: واحتج الجمهور القائلون باستحباب الطيب عند الإحرام بحديث عائشة الذي نحن في شرحه، وقد وقع في رواية عنها عند مسلم، قالت: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام. قال الجزري: الذريرة نوع من الطيب مجموع من أخلاط. وقال النووي: هي فتات قصب طيب يجاء به من الهند. وفي لفظ عند مسلم أيضاً عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند إحرامه؟ قالت: