بأطيب الطيب وفي رواية:((بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم، ثم يحرم)) وفي رواية عنها: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم، يتطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته)) وفي لفظ عنها: ((قالت: كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحرم، ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك)) كل هذه الألفاظ في صحيح مسلم. قالوا: فهذا الحديث دليل صريح في مشروعية الطيب قبل الإحرام وإن كان أثره باقيًا بعد الإحرام، بل ولو بقى عينه وريحه، لأن رويتها وبيص الطيب في مفارقه - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم صريح في ذلك. قالوا: وقد وردت آثار بذلك تدل على عدم خصوصية ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفعل ذلك، وروي عن ابن عباس أنه أحرم وعلى رأسه مثل الرُب من الغالية. وقال مسلم بن صبيح: رأيت ابن الزبير وهو محرم وعلى رأسه ولحيته من الطيب ما لو كان لرجل لاتخذ منه رأس مال. واحتج الذين منعوا ذلك بحديث يعلى بن أمية التميمى الآتي في باب ما يجتنبه المحرم، فقد صرح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل الطيب الذي تضمخ به يعلى قيل الإحرام وأمر بإنقائه، فهو دليل واضح على أن من تضمخ بالطيب قبل إحرامه لا يجوز له الدوام بل يجب غسله وانقاؤه. وقد اعتضد حديث أبي يعلى هذا ببعض الآثار الواردة عن بعض الصحابة، منهم عمر، وعثمان، وابن عمر، وعثمان بن أبي العاص. قال المالكية ومن وافقهم: قد تبين بهذه الآثار المروية عن هؤلاء الصحابة أن حديث يعلى غير منسوخ. قالوا: وإنكار عمر ذلك في خلافته على صحابين معاوية، والبراء بن عازب، وعلى تابعي كبير كثير بن الصلت بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم مع عدم إنكار أحد عليه، من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة. قلت: قد أجاب الجمهور عن حديث يعلى بوجهين: أحدهما أن قصته كانت بالجعرانة وهي سنة ثمان بلا خوف، وقد ثبت حديث عائشة الذي نحن في شرحه في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، والثاني أن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب. فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقًا محرمًا وغير محرم. وفي حديث ابن عمر:((ولا يلبس أي المحرم من الثياب شيئًا مسه الزعفران)) وقد جاء مصرحًا في الحديث في مسند أحمد (ج٤: ص٢٢٤) ، والطحاوي (ص٣٦٤) : ((قال له اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك الزعفران)) وأجاب المالكية عن حديث عائشة الذي احتج به الجمهور بوجوه منها أنهم حملوه على أنه تطيب، ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام، قالوا: ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا، فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه ثم زال بالغسل بعده لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى ولا يبقى مع ذلك طيب. ويكون قولها: ثم أصبح ينضح طيبًا، أي قبل غسله، وقد وقع في رواية للشيخين أن ذلك للطيب كان ذريرة وهي مما يذهبه الغسل. وقولها:((كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم)) ، المراد به أثره لا جرمه، قاله القاضي عياض. وقال ابن العربي: