عام حجة الوداع، فمنَّا من أهل بعمرة، ومنَّا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج،
ــ
ضم يوم الخروج إلى ما بقى لأن التأهب وقع في أوله، وإن اتفق التأخير إلى أن صليت الظهر فكأنهم لما تأهبوا باتوا ليلة السبت على سفر اعتدوا به من جملة أيام السفر. والله أعلم، وقال ابن القيم: وجه ما اخترناه أن الحديث صريح في أنه خرج لخمس بقين وهى: يوم السبت، والأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء فهذه خمس، وعلى قول ابن حزم يكون خروجه لسبع بقين، فإن لم يعد يوم الخروج كان لست، وأيهما كان فهو خلاف الحديث، وإن اعتبر الليالي كان خروجه لست ليال بقين لا خمس، فلا يصح الجمع بين خروجه يوم الخميس وبين بقاء خمس من الشهر ألبتة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت كان الباقي بيوم الخروج خمس بلا شك، ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر لهم في خطبته شأن الإحرام، وما يلبس المحرم بالمدينة على منبره، والظاهر أن هذا كان يوم الجمعة لأنه لم ينقل أنه جمعهم ونادى فيهم لحضور الخطبة، وقد شهد ابن عمر رضي الله عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره، وكان عادته - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمهم في كل وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله، فأولى الأوقات به الجمعة التي تلي خروجه، والظاهر أنه لم يكن ليدع الجمعة وبينه وبينها بعض يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلق، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين، وقد حضر ذلك الجمع العظيم، والجمع بينه وبين الحج ممكن بلا تفويت. والله أعلم. (عام حجة الوداع) بكسر الحاء المهملة وبفتحها وبفتح الواو، وجاز كسرها، قال النووي: سميت بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها وقال لعليّ لا أحج بعد عامي هذا فلم يحج بعد الهجرة غيرها وكانت سنة عشر من الهجرة، وفيه دليل على أنه لا بأس بالتسمية بذلك خلافًا لمن كرهه، وتسمى البلاغ أيضًا، لأنه قال - صلى الله عليه وسلم - فيها: هل بلغت؟ وحجة الإسلام، لأنها التي حج فيها بأهل الإسلام ليس فيها مشرك (فمنا من أهل بعمرة) أي لبى بها بأن قال لبيك بعمرة فقط، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - خيرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، (ومنَّا من أهل بحج وعمرة) أي جمع بينهما فكان قارنًا، (ومنَّا من أهل بالحج) وحده ويشكل على ما وقع في هذه الرواية من التخيير بين الأنساك الثلاثة ما ورد في الصحيحين وغيرهما من رواية الأسود عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نرى إلا الحج، وللبخاري من وجه آخر عن أبى الأسود عن عروة عنها: مهلين بالحج، ولمسلم عن القاسم عنها:((لا نذكر إلا الحج)) وله أيضاً: ((ملبين بالحج)) فظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولاً محرمين بالحج. وأجاب الحافظ وغيره بأن هذا محمول على أول الأمر إذ خرجوا من المدينة لا يرون إلا الحج لما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، ورواية الباب على آخر الأمر إذ بين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوه الإحرام، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج، وجمع القاري بينهما بأن قول عائشة لا نذكر إلا الحج أي ما كان قصدنا الأصلي