للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج،

ــ

عبد البر: روى القاسم بن محمد والأسود بن يزيد وعمرة كلهم عن عائشة ما يدل على أنها كانت محرمة بحج لا عمرة، قال: وغلطوا عروة في قوله عنها: ((كنت ممن أهل بعمرة)) قال إسماعيل بن إسحاق: قد اجتمع هؤلاء يعني الأسود، والقاسم، وعمرة على الروايات التي ذكرنا فعلمنا بذلك أن الروايات التي رويت عن عروة غلط. قال ابن القيم: من العجب رد هذه النصوص الصحيحة الصريحة التي لا مدفع لها ولا مطعن فيها ولا تحتمل تأويلاً البتة بلفظ مجمل ليس ظاهرًا في أنها كانت مفردة، فإن غاية ما احتج به من زعم أنها كانت مفردة قولها: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نرى إلا أنه الحج. فيا لله العجب أيظن بالمتمتع أنه خرج لغير الحج. بل خرج للحج متمتعًا كما أن المغتسل للجنابة إذا بدأ فتوضأ لا يمتنع أن يقول: خرجت لغسل الجنابة، وصدقت أم المؤمنين إذا كانت لا ترى إلا أنه الحج حتى أحرمت بعمرة بأمره - صلى الله عليه وسلم -، وكلامها يصدق بعضه بعضًا. وأما قولها: ((لبينا بالحج)) فقد قال جابر عنها في الصحيحين: أنها أهلت بعمرة. وكذلك قال طاوس عنها في صحيح مسلم، وكذلك قال مجاهد عنها، فلو تعارضت الروايات عنها فرواية الصحابة عنها أولى أن يأخذ بها من رواية التابعين. كيف ولا تعارض في ذلك البتة. فإن القائل: ((فعلنا كذا)) يصدق ذلك منه بفعله وبفعل أصحابه. ومن العجب أنهم يقولون في قول ابن عمر: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة، معناه تمتع أصحابه، فأضاف الفعل إليه لأمره به، فهلا قلتم في قول عائشة: ((لبينا بالحج)) أن المراد به جنس الصحابة الذين لبوا بالحج، ويتعين قطعًا إن لم تكن هذه الرواية غلطًا أن تحمل على ذلك للأحاديث الصحيحة أنها كانت أحرمت بعمرة، وكيف ينسب عروة في ذلك إلى الغلط وهو أعلم الناس بحديثها، وكان يسمع منها مشافهة بلا واسطة، وأما قوله في رواية حماد بن زيد: حدثني غير واحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: دعي عمرتك. فهذا إنما يحتج إلى تعليله ورده إذا خالف الروايات الثابتة عنها، فأما إذا وافقها وصدقها وشهد لها أنها أحرمت بعمرة فهذا يدل على أنه محفوظ، وأن الذي حدثه ضبطه وحفظه، هذا مع أن حماد بن زيد انفرد بهذه الرواية المعللة وهي قوله: ((فحدثني غير واحد)) وخالفه جماعة فرووه متصلاً عن عروة عن عائشة، فلو قدر التعارض فالأكثرون أولى بالصواب فيا لله العجب! كيف يكون تغليظ أعلم الناس بحديثها وهو عروة في قوله عنها: ((وكنت فيمن أهل بعمرة)) سائغًا بلفظ مجمل محتمل ويقضي به على النص الصحيح الصريح الذي شهد له سياق القصة من وجوه متعددة، إلى آخر ما قال (وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج) أي وحده، احتج به من قال: كان حجه - صلى الله عليه وسلم - مفردًا، وهم عامة الشافعية، والمالكية، وحمله المحققون منهم: كالقاضي عياض، والنووي، والحافظ وغيرهم على أن فيه بيان ابتداء الحال، ثم صار قارنًا، فإنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة، وحمله الحنفية، والحنابلة القائلون بكونه - صلى الله عليه وسلم - قارنًا ابتداءً، على أن عائشة سمعت تلبيته بالحج فقط، وللقارن أن يلبي بأيهما شاء، فيقول: تارة لبيك بحجة، وتارة لبيك عمرة، وتارة لبيك بحجة وعمرة، فحكت عائشة ما سمعت فلا يخالف

<<  <  ج: ص:  >  >>