بعد التمتع الإفراد ثم القران، والثالث: أن القران أفضل، وهذا قول أبى حنيفة، وحكاه ابن المنذر عن سفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، ثم قال: لا شك أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا - انتهى. وهو قول للشافعي، وقال به من أصحابنا المزني، وأبو إسحاق، المروذي، وإليه ذهب ابن حزم الظاهري والمشهور عند الحنفية: أن الأفضل بعد القران التمتع ثم الإفراد، وعن أبى حنيفة: أن الإفراد أفضل من التمتع، الرابع: أنه إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل، حكاه المروذي عن أحمد بن حنبل. قلت: واختاره من الحنفية القاضي ثناء الله الفاني فتى حيث قال في تفسيره ((المظهري)) : التحقيق أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وأن القران أفضل من التمتع إن ساق الهدي، والتمتع أفضل إن لم يسق الهدي، وكل منهما أفضل من الإفراد - انتهى. الخامس: أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة، لا فضيلة لبعضها على بعض، حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء. قال الحافظ في الفتح: وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه. السادس: أن التمتع والقران سواء في الفضل، وهما أفضل من الإفراد حكي عن أبى يوسف - انتهى. وقد ظهر من كلام الطبري، والولي العراقي أن منشأ اختلافهم في أفضل الوجوه الثلاثة ومناطه هو اختلافهم في إحرامه - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا ذكر غير واحد من شراح الحديث ومحققي الفقهاء، وقيل بعكس ذلك بأن ترجيحهم في إحرامه وحجه - صلى الله عليه وسلم - مبني على ما تحقق عندهم من أفضليته، لكن الصواب أنه ليس بمطرد عندهم. قال النووي: أما حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاختلفوا فيها هل كان مفردًا أو متمتعًا أو قارنًا؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة وكل رجحت نوعًا وادعت أن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت كذلك، والصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أولاً مفردًا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج فصار قارنًا - انتهى. فهذا كما ترى قد صحح كونه - صلى الله عليه وسلم - قارنًا انتهاءً، وصحح في بيان المذاهب أفضلية الإفراد على غيره، وكذا اختار القاضي عياض، والحافظ وغيرهما أنه - صلى الله عليه وسلم - أفرد أولاً ثم أدخل العمرة عليه فصار قارنًا. واختار الخطابي في المعالم عكسه فقال بعد ذكر حديث حفصة أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال ((إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر)) فثبت أنه كان هناك عمرة إلا أنه أدخل عليها الحج قبل أن يقضي شيئًا من عمل العمرة فصار في حكم القارن. وقال في الروض المربع من فقه الحنابلة: قال أحمد: لا شك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا والمتعة أحب إليّ. وقد اختلفت روايات الصحابة في حجه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع هل كان مفردًا أو قارنًا أو متمتعًا، وروي كل منها في الصحيحين وغيرهما، واختلف الناس في ذلك وفي إحرامه - صلى الله عليه وسلم - على أقوال، أحدها: أنه حج مفردًا لم يعتمر معه، حكي هذا عن الإمام الشافعي وغيره. قال القسطلاني في المواهب: والذي ذهب إليه الشافعي في جماعة أنه - صلى الله عليه وسلم - حج مفردًا، وحكاه الزرقاني في شرح المواهب عن الإمام مالك، وحكي عن الشافعي وغيره أن نسبة القران والتمتع إليه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاتساع لكونه أمر بهما - انتهى. وبه جزم الخطابي