من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا، وكان يسعى ببطن المسيل
ــ
الشنقيطي: الرمل مصدر رمَل بفتح الميم يرمُل بضمها رمَلاً بفتح الميم ورملانًا إذا أسرع في مشيته وهز منكبيه وهو في ذلك لا ينزو أي لا يثب وهو الخبب، ولذا جاء في بعض روايات الحديث رمل، وفي بعضها خبّ، والمعنى واحد (من الحجر) أي الأسود (إلى الحجر) هذا نص في استيعاب الرمل لجميع الطوفة يعني في مشروعية الرمل في جميع المطاف من الحجر إلى الحجر، وحديث ابن عباس المروي في بيان سبب الرمل نص في عدم الاستيعاب وأن يمشوا ما بين الركنين اليمانيين، والجواب عن هذا الاختلاف أن حديث ابن عباس الذي فيه أنهم مشوا ما بين الركنين كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، وما في الروايات الأخرى من الرمل من الحجر إلى الحجر في حجة الوداع سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس وقيل إن الرمل سنة فعذرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضاء في استيعاب الرمل بجميع الطوفة لضعفهم بالحمى، قال الباجي: إن جابراً عاين ما روى عام حجة الوداع وابن عباس إنما روى عن غيره فإنه لم يشاهد عام القضية لصغره مع أنه يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك رمل ما بين الركنين وإن كان مشروعاً لحاجته إلى الإبقاء على أصحابه، فلما ارتفعت هذه العلة لزم استدامة الرمل المشروع – انتهى. وقال ابن قدامة: الرمل سنة في الأشواط الثلاثة بكمالها يرمل من الحجر إلى أن يعود إليه، لا يمشي في شيء منها، روى ذلك عن عمر وابنه وابن مسعود وابن الزبير، وبه قال عروة والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وقال طاوس وعطاء والحسن وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله: يمشي ما بين الركنين لرواية ابن عباس. ولنا ما روى ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر إلى الحجر، وحديث جابر عند مسلم " قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف ". وهذا يقدم على حديث ابن عباس لوجوه، الأول: أنه مثبت. والثاني: أن رواية ابن عباس إخبار عن عمرة القضية، وهذا إخبار عن حجة الوداع فيكون متأخرًا ويجب العمل به. والثالث: أن ابن عباس كان في تلك الحال صغيرًا. والرابع: أن جلة الصحابة عملوا بما ذكرنا، ولو علموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال ابن عباس ما عدلوا عنه إلى غيره، ويحتمل أن ما رواه ابن عباس يختص بالذين كانوا في عمرة القضية لضعفهم والإبقاء عليهم، وما رويناه سنة في سائر الناس – انتهى. ويظهر من كلام ابن حزم في المحلى أنه مال إلى أن الرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني وفيما بينهما جائز (وكان يسعى) أي يسرع ويشتد عدوًا، قاله القاري. واعلم أن السعي في كلامهم يطلق على معنيين، الأول: المشي بين الصفا والمروة وهو المذكور في كلامهم إذا أطلقوا السعي بين الصفا والمروة. والثاني: شدة المشي بين الميلين الأخضرين وهو المراد في هذا الحديث، وهو مندوب وسنة عند الجمهور، منهم الحنفية وهو المرجح عند المالكية (ببطن المسيل) أي المكان الذي يجتمع فيه السيل. قال الحافظ: المراد ببطن المسيل الوادي لأنه موضع السيل. وقال القاري بطن المسيل