٢٦٠١ – (١٧) وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم ".
ــ
من رواية سفيان موقوف، ووهم عليه من رفعه وقد بسط الحافظ الكلام ها هنا، من شاء الوقوف فليرجع إلى التلخيص (ص ٤٧) .
٢٦٠١- قوله (وهو أشد بياضًا من اللبن) جملة حالية (فسودته خطايا بني آدم) أي صارت ذنوب بني آدم الذين يمسحون الحجر سببًا لسواده، واللفظ المذكور للترمذي، ولأحمد ((الحجر الأسود من الجنة، وكان أشد بياضًا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك)) . وفي رواية الطبراني ((الحجر الأسود من حجارة الجنة وما في الأرض من الجنة غيره، وكان أبيض كالمها (مقصورًا جمع مهاة وهي البلورة) ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برئ)) والحديث محمول على ظاهره إذ لا مانع نقلاً ولا عقلاً، فالركن الأسود حجر من حجارة الجنة حقيقة، وليس فيه غرابة وبعد واستحالة، والحديث صحيح كما قال الترمذي وغيره، وله شواهد كما ستعرف، وأوله بعض الشراح بإرادة المبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والذنوب، والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة واليمن والبركة يشارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها. قال القاضي البيضاوي: لعل هذا الحديث جار مجرى التمثيل والمبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والذنوب، والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة وما فيه من اليمن والبركة شارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها، وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فيجعل المبيض منها مسودًا فكيف فكيف بقلوبهم (يعني ففيه تخويف وتنبيه، فإن الرجل إذا علم أن الذنب يسود الحجر خاف أن يسود بدنه بشؤم ذنوبه ويذهب نور الإيمان) أو لأنه من حيث أنه مكفر للخطايا محاء للذنوب لما رُوي عن ابن عمر مرفوعًا (كما سيأتي)((إن مسحهما كفارة للخطايا)) كأنه من الجنة وكثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه كان ذا بياض شديد فسودته الخطايا، وقيل: في هذا الحديث امتحان إيمان الرجل، فإن كان كامل الإيمان يقبل هذا ولا يتردد وإن كان ضعيف الإيمان يتردد والكافر ينكر، وقال التوربشتي: هذا الحديث محتمل أن يراد منه ما دل عليه الظاهر ومحتمل أن يأول على ما يستقيم عليه المعنى من باب الاتساع، ولسنا نرى بحمد الله تعالى خلاف الظواهر في السنن إلا إذا عارضه من السنن الثوابت ما يحوج إلى التأويل أو وجدنا اللفظ في كلامهم بين الأمر في المجاز والاستعارة فسلكنا به ذلك المسلك، وإذ قد عرفنا من أصل الدين بالنصوص الثابتة أن الجنة وما احتوت عليه من الجواهر مباينة لما خلق في هذه الدار الفانية في حكم الزوال والفناء وإحاطة الآفات بها، فإن ذلك خلق خلقًا محكمًا غير قابل لشيء من ذلك، وقد وجدنا الحجر أصابه الكسر حتى صار فلقًا، وذلك من أقوى أسباب الزوال لم نستعبد فيه مذهب التأويل