ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة. وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رؤي يوم بدر ". فقيل: ما رؤي يوم بدر؟
ــ
والذل، ويحتمل أن يريد به تضاؤله وصغر جسمه وأن ذلك يصيبه عند نزول الملائكة وإغضاب نزولها له – انتهى. (ولا أدْحَر) بسكون الدال وفتح الحاء وبالراء مهملات، اسم تفضيل من الدحر وهو الطرد والإبعاد أي أبعد عن الخير ومنه قوله تعالى:{من كل جانب دحورًا}(٣٧: ٨، ٩) وقوله تعالى {اخرج منها مذؤمًا مدحورًا}(٧: ١٨) وقال الطبري: الدحر الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال، ومنه:{فتلقى في جهنم ملومًا مدحورًا}(١٧: ٣٩) أي مبعدًا من رحمة الله (ولا أحقر) أي أسوأ حالاً، قاله القاري. وقال الزرقاني: أي أذل وأهون عند نفسه لأنه عند الناس حقير أبدًا. وقال الباجي: يحتمل الوجهين المتقدمين في أصغر (ولا أغيظ) أي أشد غيظًا محيطًا بكبده وهو أشد الحنق (منه) أي من الشيطان نفسه (في يوم عرفة) وفي المصابيح ((يوم عرفة)) قال شارحه: نصب ظرفًا لأصغر أو لأغيظ أي الشيطان في عرفة أبعد مرادًا منه في سائر الأيام وتكرار المنفيات للمبالغة في المقام، قاله القاري (وما ذاك) أي وليس ما ذكر له (إلا لما يرى) كذا في جميع النسخ من المشكاة موافقًا لما في المصابيح. وكذا ذكره المنذري في الترغيب والطبري في القرى، وفي الموطأ ((إلا لما رأى)) أي بصيغة الماضي المعلوم، قال القاري: لما يرى أي لأجل ما يعلم، قيل: ويحتمل رؤية العين كما يجيء (من تنزل الرحمة) أي على الخاص والعام بحسب المراتب (وتجاوز الله عن الذنوب العظام) قال القاري: فيه إيماء على غفران الكبائر – انتهى. قال الزرقاني:((قوله: ((إلا لما رأى من تنزل الرحمة)) أي الملائكة النازلين بها على الواقفين بعرفة وهو لعنه الله، لا يحب ذلك، وليس المراد أنه يرى الرحمة نفسها، ولعله رأى الملائكة تبسط أجنحتها بالدعاء للحاج، ويحتمل أنه سمع الملائكة تقول: غفر لهؤلاء أونحو ذلك فعلم أنهم نزلوا بالرحمة، ورؤيته الملائكة للغيظ لا للإكرام، قاله أبو عبد الملك البوني، وقال الباجي: يحتمل أنه يرى الملائكة ينزلون على أهل عرفة وقد عرف الشيطان أنهم لا ينزلون إلا عند الرحمة لمن ينزلون عليه، ولعل الملائكة يذكرون ذلك أما على وجه الذكر بينهم أو على وجه الإغاظة للشيطان، ويخلق الله للشيطان إدراكًا يدرك به نزولهم ويدرك به ذكرهم لذلك، ولعله يسمع منهم إخبارهم بأن الله تعالى قد تجاوز لأهل الموقف عن جميع ذنوبهم وعما يوصف بالعظم منها، ويحتمل أن ينص على ذلك، ويحتمل أن يخبر به عنه بخبر يفهم المعنى وإن لم ينص على نفس المعصية سترًا من الله تعالى على عباده المغفور لهم – انتهى. (إلا ما رُؤي) ببناء المجهول (يوم بدر) قال الطيبي: أي ما رُؤي الشيطان في يوم أسوأ حالاً منه في ما عدا يوم بدر أول غزوة وقع فيها القتال وكانت في ثانية الهجرة، وفي المصابيح ((إلا ما كان من يوم بدر)) (فقيل: ما رُؤي؟) كذا في بعض النسخ بصيغة المجهول، وفي بعضها ((ما رأى)) أي ببناء المعلوم كما في الموطأ والمصابيح، أي قالت الصحابة: وما رأى الشيطان يوم