قبل بلوغ محله أنه ينحره ثم يصبغ نعليه في دمه ويضرب بالنعل المصبوغ بالدم صفحة سنامها ليعلم من مر بها أنها هدي ويخلي بينها وبين الناس ولا يأكل منها هو لا أحد من أهل رفقته. والظاهر أن علة منعه ومنع رفقته هو سد الذريعة لئلا يتوسل هو أو بعض رفقته إلى نحره بدعوى أنه عطب أو بالتسبب له في ذلك للطمع في أكل لحمه لأنه صار للفقراء وهم يعدون أنفسهم من الفقراء، والظاهر عدم الفرق بين هدي التطوع والفرض لكن خصص ذلك بهدي التطوع لأن الهدي الذب بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هدي تطوع، والظاهر أنه لا يجوز الأكل منه للأغنياء بل للفقراء. واختلف الفقهاء في حكم هدي التطوع إذا عطب قبل محله. قال الشنقيطي: أما هدي التطوع فالظاهر أنه إن عطب في الطريق ألقيت قلائده في دمه وخلى بينه وبين الناس وإن كان له سائق مرسل معه لم يأكل منه هو ولا أحد من رفقته، وليس لصاحبه الأكل منعه عند مالك وأصحابه وهو ظاهر مذهب أحمد وليس عليه بدله لأنه لم يتعلق بذمته. قلت: مذهب مالك على ما يدل عليه فروع المالكية وكلام ابن قدامة أنه يجوز أكله للرفقاء مطلقًا سواء كانوا أغنياء أو فقراء فضلاً عن غير الرفقة ولا يجوز لصاحبه ولو فقيرًا ولا لرسوله ولا يجوز له الأمر لأحد أن يأكل ولا أن يفرقه على الناس بل يخلي بينه وبينهم، وارجع للتفصيل إلى المغني (ج ٣: ص ٥٣٧، ٥٣٨) وحملت المالكية حديث ابن عباس على سد الذريعة كما جزم به المازري والقرطبي والزرقاني والأبي. قال الشنقيطي: وأما مذهب الشافعي وأصحابه فهو أن هدي التطوع باق على ملك صاحبه فله ذبحه وأكله وبيعه وسائر التصرفات فيه ولو قلده، لأنه لم يوجد منه إلا نية ذبحه والنية لا تزيل ملكه عنه حتى يذبحه بمحله، فلو عطب في الطريق فلمهديه أن يفعل به ما يشاء من بيع وأكل وإطعام لأنه لم يزل في ملكه ولا شيء عليه في شيء من ذلك. قلت: وهكذا ذكر مذهب الشافعي النووي في شرح مسلم وفي مناسكه والطيبي والقسطلاني، وحمل الطيبي حديث ابن عباس على الهدي الواجب حيث حكى القاري عنه في شرح حديث ابن عباس تحت قوله ((ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك)) أنه قال: سواء كان فقيرًا أو غنيًا هذا إذا أوجبه على نفسه، وأما إذا كان تطوعًا فله أن ينحره ويأكل منه، فإن مجرد التقليد لا يخرجه عن ملكه – انتهى. قال الشنقيطي: وأما مذهب أبي حنيفة في هدي التطوع إذا عطب في الطريق قبل بلوغ محله فهو أنه لا يجوز لمهديه الأكل منه ولا لغني من الأغنياء، وإنما يأكله الفقراء. قلت: حاصل مذهب الحنفية أكله للفقراء سواء كانوا رفقة أم لا، ولا يجوز للأغنياء مطلقًا. قال الزيلعي في التبيين: حديث ابن عباس محمول على أنه ورفقته كانوا أغنياء. قال الشنقيطي: ووجه قول من قال: إن هدي التطوع إذا عطب في الطريق لا يجوز لمهديه أن يأكل منه، هو أن الإذن له في الأكل جاء النص به بعد بلوغه ملحه، أما قبل بلوغه محله فلم يأت الإذن بأكله، ووجه خصوص الفقراء به لأنه حينئذ يصير صدقة لأن كونه صدقة خير من أن يترك للسباع تأكله، هكذا قالوا، والعلم عند الله تعالى – انتهى. وأما حكم الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فقال