حيث قال (ج ٢: ص ١٨٣) : إذا عطب الهدي الواجب دون المحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بدله بكل حال، لأنه قد خرج من أن يكون هديًا حين عطب قبل أن يبلغ محله – انتهى. وحاصل مذهب الحنفية على ما في مناسكهم كالغنية وشرح اللباب وغيرهما أنه إن عطب الهدي الواجب قبل وصوله إلى محله فعليه أن يقيم غيره بدله وصنع بالأول ما شاء من بيع وغيره، وقال الشنقيطي (ج ٥: ص ٥٨٣) : اعلم أن الهدي إما واجب وإما تطوع، والواجب إما بالنذر أو بغيره، والواجب بالنذر إما معين أو غير معين، فالظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه: أن الهدي الواجب بغير النذر كهدي التمتع والقرآن والدماء الواجبة بترك واجب أو فعل محظور، والواجب بالنذر في ذمته كأن يقول ((لله علي نذر أن أهدي هديًا)) أن لجميع ذلك حالين: الأولى أن يكون ساق ما ذكر من الهدي ينوي به الهدي الواجب عليه من غير أن يعينه بالقول كأن يقول: هذا الهدي سقته أريد به أداء الهدي الواجب علي. والحالة الثانية هي أن بسوقه ينوي الهدي المذكور مع تعيينه بالقول، فإن نواه ولم يعينه بالقول فالظاهر أنه لا يزال في ضمانه ولا يزول ملكه عنه إلا بذبحه ودفعه إلى مستحقيه، ولذا إن عطب في الطريق فله التصرف فيه بما شاء من أكل وبيع، لأنه لم يزل في ملكه، وهو مطالب بأداء الهدي الواجب عليه بشيء آخر غير الذي عطب، لأنه عطب في ضمانه، فهو بمنزلة من عليه دين فحمله إلى مستحقه يقصد دفعه إليه، فتلف قبل أن يوصله إليه، فعليه قضاء الدين بغير التالف لأنه تلف في ذمته، وإن تعيب الهدي المذكور قبل بلوغه محله، فعليه بدله سليمًا ويفعل بالذي تعيب ما شاء لأنه لم يزل في ملكه وضمانه، والذي يظهر أن له التصرف فيه، ولو لم يعطب ولم يتعيب لأن مجرد نية إهدائه عن الهدي الواجب لا ينقل ملكه عنه، والهدي المذكور لازم له في ذمته حتى يوصله إلى مستحقه، والظاهر أن له نماؤه. وأما الحالة الثانية وهي ما إذا نواه وعينه بالقول كأن يقول: هذا هو الهدي الواجب عليّ. والظاهر أن الإشعار والتقليد كذلك، فالظاهر أنه يتعين الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمة فليس له التصرف فيه ما دام سليمًا، وإن عطب أو سرق أو ضل أو نحو ذلك لم يجزه وعاد الوجوب إلى ذمته فيجب عليه هدي آخر، لأن الذمة لا تبرأ بمجرد التعيين بالنية والقول أو التقليد والإشعار، والظاهر أنه إن عطب فعل به ما شاء، لأن الهدي لازم في ذمته وهذا الذي عطب صار كأنه شيء من ماله لا حق فيه لفقراء الحرم، لأن حقهم باق في الذمة فله بيعه وأكله وكل ما شاء، وعلى هذا جمهور أهل العلم، وعن مالك يأكل ويطعم من شاء من الأغنياء والفقراء، ولا يبيع منه شيئًا، وإن بلغ الهدي محله فذبحه وسرق فلا شيء عليه عند أحمد. قال في المغني (ج ٣: ص ٥٣٥) : وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك، وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: عليه الإعادة لأنه لم يوصل الحق إلى مستحقه، فأشبه ما لو لم يذبحه، ولنا أنه أدى الواجب عليه فبرئ منه كما لو فرقه، ودليل أنه أدى الواجب أنه لم يبق إلا التفرقة وليست واجبة بدليل أنه لو خلى بينه وبين الفقراء أجزأه، ولذلك لما نحر النبي - صلى الله عليه وسلم -