للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

" اللهم ارحم المحلقين ".

ــ

في الموضعين. وقال ابن دقيق العيد: إنه الأقرب. قلت (قائله الحافظ) : بل هو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين كما قدمناه إلا أن السبب في الموضعين مختلف. فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصالح قريشًا على أن يرجع من العام المقبل، والقصة مشهورة، فلما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإحلال توقفوا، فأشارت أم سلمة أن يحل هو - صلى الله عليه وسلم - قبلهم ففعل فتبعوه، فحلق بعضهم وقصر بعض، وكان من بادر على الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس المشار إليه قبل، فإن في آخره عند ابن ماجة وغيره أنهم قالوا: يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة؟ قال: لأنهم لم يشكوا (في أن ما فعلته أحسن مما قام في أنفسهم، أو معناه أي ما عاملوا معاملة من يشك في أن الإتباع أحسن، وأما من قصر فقد عامل معاملة الشاك في ذلك حيث ترك فعله - صلى الله عليه وسلم -) وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع فقال ابن الأثير في النهاية: كان أكثر من حج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسق الهدي، فلما أمرهم أن يفسخوا الحج ثم يتحللوا منها ويحلقوا رؤؤسهم شق عليهم، ثم لما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم، فرجح النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل من حلق لكونه أبين في امتثال الأمر – انتهى. قال الحافظ: وفيما قاله نظر، وإن تابعه عليه غير واحد، لأن المتمتع يستحب في حقه أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج إذا كان ما بين النسكين متقاربًا، وقد كان ذلك في حقهم كذلك، فالأولى ما قاله الخطابي وغيره أن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر والتزين به وكان الحلق فيهم قليلاً وربما كانوا يرونه من الشهرة، ومن زي الأعاجم، فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير، قلت: ما حكاه الحافظ عن الخطابي يأبى عنه كلام الخطابي في المعالم (ج ٢: ص ٤١٨) حيث قال في شرح حديث ابن عمر: قلت: كان أكثر من أحرم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ليس معهم هدي، وكان - صلى الله عليه وسلم - قد ساق الهدي، ومن كان معه هدي فإنه لا يحلق حتى ينحر هديه، فلما أمر من ليس معه هدي أن يحل وجدوا من ذلك في أنفسهم وأحبوا أن يأذن لهم في المقام على إحرامهم حتى يكملوا الحج، وكان طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بهم، فلما لم يكن لهم بد من الإجلال كان التقصير في نفوسهم أحب من الحلق فمالوا إلى التقصير، فلما رأي ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أخرهم في الدعاء وقدم عليهم من حلق وبادر إلى الطاعة وقصر بمن تهيبه وحاد عنه، ثم جمعهم في الدعوة وعمهم بالرحمة – انتهى. وهذا كما ترى هو عين ما قاله ابن الأثير في النهاية (اللهم ارحم المحلقين حيث عملوا بالأفضل لأن العمل بما بدأ الله تعالى في قوله {محلقين رؤوسكم ومقصرين} (٤٨: ٢٧) أكمل. وقضاء التفث المأمور به في قوله عز وجل {ثم ليقضوا تفثهم} (٢٢: ٢٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>