فجاء آخر، فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. فقال:" ارم ولا حرج ". فما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال:" افعل ولا حرج ".
ــ
أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للترك – انتهى. ومن ذهب إلى وجوب الدم حمله على نفي الإثم فقط، قال الباجي: يحتمل أن يريد لا إثم عليك لأن الحرج الإثم، ومعظم سؤال السائل إنما كان ذلك خوفًا من أن يكون قد أثم، فأعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا حرج، إذ لم يقصد المخالفة وإنما أتى ذلك عن غير علم ولا قصد مع خفة الأمر – انتهى. وقال السندي الحنفي في حاشية ابن ماجة معناه عند الجمهور أنه لا إثم ولا دم، ومن أوجب الدم حمله على دفع الإثم وهو بعيد، إذ الظاهر عموم النفي لحرج الدنيا وحرج الآخرة، وأيضًا لو كان دم لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ ترك البيان أو تأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه - صلى الله عليه وسلم - (فجاء) رجل (آخر فقال: لم أشعر) أي لم أفطن أو لم أعلم أن الرمي قبل النحر (فنحرت) الهدي (قبل أن أرمي) أي الجمرة (فقال ارم) أي الآن (ولا حرج) وفي رواية ابن جريج عن الزهري عند البخاري: فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، ونحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: افعل ولا حرج، لهن كلهن، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج. وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم كما سيأتي حلقت قبل أن أرمي، وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي أيضًا، فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمر والسؤال عن أربعة أشياء، الحلق قبل الذبح، والحلق قبل الرمي، والنحر قبل الرمي، والإفاضة قبل الرمي، والأولان في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح وللدارقطني من حديثه أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر، وفي حديث أبي سعيد عند الطحاوي، وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق، وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق، وفي حديث جابر الذي علقه البخاري ووصله ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك الآتي في الفصل الثالث السؤال عن السعي قبل الطواف، وقد تقدم في مسألة اشتراط الطهارة للسعي في شرح حديث عائشة في باب قصة حجة الوداع أن الجمهور القائلين بعدم إجزاء السعي قبل الطواف حملوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم قبل طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن، قيل: ولا إشكال في الحديث على مذهب الحنفية، فإنهم يحملونه كسائر الأحاديث الواردة في الباب على نفي الحرج بمعني نفي الإثم لعذر الجهل أو النسيان (فما سئل) بصيغة المجهول (النبي - صلى الله عليه وسلم -) زاد في رواية ((يومئذ)) (عن شيء قدم) بصيغة المجهول من التفعيل فيه وفي ((أخر)) أي وحقه التأخير (ولا أخر) أي ولا عن شيء أخر وحقه التقديم (إلا قال) - صلى الله عليه وسلم - في جوابه (افعل) الآن ما بقي وقد أجزأك فيما فعلت (ولا حرج) عليك في التقديم والتأخير.