وفي رواية يونس عند مسلم ((فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال: افعلوا ذلك ولا حرج)) قال الباجي: لا يقتضي هذا رفع الحرج في تقديم شيء ولا تأخيره غير المسألتين المنصوص عليهما، لأننا لا ندري عن أي شيء غيرهما سئل في ذلك اليوم، وجوابه إنما كان عن سؤال السائل فلا يدخل فيه غيره كما لا يدخل في قوله ((انحر ولا حرج، ارم ولا حرج) غير ذلك مما لم يسئل عنه – انتهى. وكذا قال ابن التين أن هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المنصوص عليهما يعني المذكورتين في رواية مالك لأنه خرج جوابًا للسؤال، ولا يدخل فيه غيره – انتهى. وتعقبه الحافظ فقال: كأنه غفل عن قوله في بقية الحديث ((فما سئل عن شيء قدم ولا أخر)) وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر، لكن قوله في رواية ابن جريج ((وأشباه ذلك)) يرد عليه، وقد تقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة صور وبقيت عدة صور لم تذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لكونها لم تقع، وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة، منها صورة الترتيب المتفق عليها وهي رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة، وهي وظائف يوم النحر بالاتفاق، وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم من المالكية استثني القارن فقال: لا يجوز له الحلق قبل الطواف، وكأنه لاحظ أنه في عمل العمرة، والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف، يعني أنه رأى أن القارن عمرته وحجه قد تداخلا، فالعمرة قائمة في حقه والعمرة لا يجوز الحلق فيها قبل الطواف، ورد عليه النووي بنصوص الأحاديث والإجماع المتقدم عليه، ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك حيث قال: وكأنه يريد بنصوص الأحاديث ما ثبت عنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا في آخر الأمر وقد حلق قبل الطواف، وهذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصي أعني كونه عليه السلام قارنًا، وابن الجهم بنى على مذهب مالك والشافعي ومن قال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا، وأما الإجماع فبعيد الثبوت إن أراد به الإجماع النقلي القولي، وإن أراد السكوتي ففيه نظر، وقد ينازع فيه أيضًا – انتهى. قال الحافظ: واختلف العلماء في جواز تقديم بعضها على بعض فأجمعوا على الإجزاء في ذلك أي في التقديم والتأخير كما قاله ابن قدامة في المغني إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع، قال القرطبي: روي عن ابن عباس أن من قدم شيئًا على شيء فعليه دم. وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي – انتهى. وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع كما سيأتي، قال: وذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم لقوله للسائل: " لا حرج ". فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا، لأن إثم الضيق يشملهما – انتهى. وقال ابن دقيق العيد (ج ٣: ص ٤٨، ٤٩) : إذا ثبت أن الوظائف في يوم النحر أربع فقد اختلفوا فيما لو تقدم بعضها على بعض، فاختار الشافعي جواز التقديم وجعل الترتيب مستحبًا، ومالك وأبو حنيفة يمنعان تقديم الحلق