على الرمي لأنه يكون حينئذ حلقًا قبل وجود التحللين، وللشافعي قول مثله، وقد بنى القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة محظور، فإن قلنا: إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره، لأنه يكون من أسباب التحلل، وإن قلنا إنه استباحة محظور لم يجز لما ذكرناه من وقوع الحلق قبل التحللين. قال: وفي هذا البناء نظر، لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكًا أن يكون من أسباب التحلل، وهذا مالك يرى أن الحلق نسك ويرى مع ذلك أنه لا يقدم على الرمي، إذ معنى كون الشيء نسكًا أنه مطلوب مثاب عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون سببًا للتحلل – انتهى. وقال الأوزاعي: إن أفاض قبل الرمي اهراق دمًا. وقال عياض: اختلف عن مالك في تقديم الطواف على الرمي، روى ابن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف، فإن توجه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم، قال ابن بطال: هذا يخالف حديث ابن عباس، وكأنه لم يبلغه. قال الحافظ: وكذا هو في رواية ابن أبي حفصة عن الزهري في حديث عبد الله بن عمرو، وكأن مالكًا لم يحفظ ذلك عن الزهري – انتهى. وقال الأبي: أما الإفاضة فاختلف قول مالك إذا قدمها قبل الرمي فقيل: يجزئه ويهدي، وقيل: لا يجزئه ويعيدها بعد الرمي وهو كمن لم يفض، وكلك اختلف في قوله إذا قدمها على الحلق فرمى ثم أفاض ثم حلق، فقال: مرة يجزئه وقال: مرة يعيدها بعد الحلق، وقال في الموطأ في باب التقصير: أحب إلى أن يريق دمًا، وكذلك اختلف قول مالك في النحر قبل الحلق، وقال في آخر ((باب ما جاء في الحلاق)) من الموطأ: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن أحدًا لا يحلق رأسه ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هديًا إن كان معه، وقال: في ((باب العمل في النحر)) : لا يجوز لأحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه، وارجع لشرح هذه الأقوال إلى المنتقى للباجي. وقال ابن قدامة:(ج ٣: ص ٤٤٦) : وفي يوم النحر أربعة أشياء: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق ثم الطواف، والسنة ترتيبها هكذا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رتبها، كذلك وصفه جابر في حج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى أنس ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى ثم نحر ثم حلق)) رواه أبو داود. فإن أخل بترتيبها ناسيًا أو جاهلاً بالسنة فيها فلا شيء عليه في قوله كثير من أهل العلم، منهم الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري. وقال أبو حنيفة: إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فإن كان قارنًا فعليه دمان، وقال زفر: عله ثلاثة دماء، لأنه لم يجد التحلل الأول فلزمه الدم كما لو حلق قبل يوم النحر، ولنا ما روى عبد الله بن عمرو قال: قال رجل: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح، قال:" اذبح ولا حرج ". فقال آخر: ذبحت قبل أن أرمي. قال:" ارم ولا حرج ". متفق عليه. وفي لفظ ((قال: فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح – وذكر الحديث – قال: فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعضها وأشباهها إلا قال: افعلوا ولا حرج عليكم)) رواه مسلم. وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له يوم النحر وهو بمنى في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: لا حرج. متفق عليه، ورواه عبد الرزاق