فيه وقد حصل، وإنما يتم ما أراد أن لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا – انتهى. وقال ابن حزم. أما قول إبراهيم في أن من حلق قبل الذبح والنحر فعليه دم واحتجاجه بقول الله تعالى {ولا تحلقوا رؤوسكم} فغفلة منه، لأن محل الهدي هو يوم النحر بمنى ذبح أو نحر أو لم يذبح ولا نحر، إذا دخل يوم النحر والهدي بمنى أو بمكة فقد بلغ محله فحل الحلق ولم يقل تعالى حتى تنحروا أو تذبحوا، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كل ذلك مباح ولا حجة في قول أحد سواه عليه السلام – انتهى. وأجاب عن هذا العيني بأنه ليس المراد الكلي مجرد البلوغ إلى المحل الذي يذبح فيه، بل المقصد الكلي الذبح، ولذا لو بلغ ولم يذبح يجب عليه الفدية – انتهى. وأجاب بعض الحنفية عن الإشكال المذكور بأنه قد يترك البيان في مثل تلك الحالة اعتمادًا على القواعد العامة المعلومة من الشرع، ويحسب أن فيها غنية عن بيان المسألة في ذلك الوقت بخصوصه، قال: ونظيره ما رواه البخاري في صحيحه من طريق هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر قالت أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غيم، ثم طلعت الشمس، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: بد من قضاء. وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا. قال الحافظ: جزم هشام بالقضاء محمول على أنه استند فيه إلى دليل آخر، وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه – انتهى. قال هذا البعض: فالقضاء واجب في تلك الصورة عند جمهور الأمة ولكن لم يبينه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت مع احتياج الناس إليه، ولو بينه لنقل إلينا، وهكذا هو في حديث الباب قلت: لم يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك بيان قاعدة عامة أو خاصة تدل على وجوب الدم في مثل تلك الحالة، وتغني عن البيان في ذلك الوقت أي في ابتداء الإسلام حينما كان الناس محتاجين إلى تقرير قواعد الحج فسكوته - صلى الله عليه وسلم - عن البيان حين ذاك دليل على عدم وجوب الفدية على من خالف الترتيب، وأما تنظير ذلك بما رواه البخاري من حديث أسماء فليس في محله، فإنه ليس فيه إثبات قضاء الصوم ولا نفيه، وإنما رجح الجمهور إيجاب القضاء فيه خلافًا لمجاهد والحسن وإسحاق وأحمد في رواية وابن خزيمة بأنه لو غم هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا، وأما ما نحن فيه فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم ذلك بقوله ((لا حرج)) وهو يدل دلالة لا لبس فيها على من قدم أو أخر لا شيء عليه من إثم ولا فدية، لأنه نكرة في سياق النفي ركبت مع لا فبقيت على الفتح والنكرة إذا كانت كذلك فهي صريح في العموم، فالأحاديث إذن نص صريح في عموم النفي لجميع أنواع الحرج من إثم وفدية. قلت: واستدل بعضهم على كون المراد بنفي الحرج في الحديث نفي الإثم فقط لا غيره بما وقع في حديث أسامة بن شريك الآتي من الاستثناء بقوله: إلا على رجل افترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك قالوا فيه: دلالة ظاهرة على أن الحرج المنفي في الحديث هو الإثم والفساد فقط لا الفدية ونحوها. ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن هذا الاستدلال إنما يتم إذا كان الاستثناء في هذا الحديث متصلاً، وأما إذا كان منقطعًا فلا كما لا يخفى فافهم