قال: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض،
ــ
الخطبة يوم النحر لا ثانيه. وأما قول الطحاوي أنه لم يعلمهم شيئًا من أسباب التحلل فلا ينفي وقوع ذلك أو شيء منه في نفس الأمر، بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما تقدم أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم النحر، وذكر فيه السؤال عن تقديم بعض المناسك على بعض فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع روايته هو لحديث عبد الله بن عمرو، وثبت أيضًا في بعض أحاديث الباب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للناس حينئذ: خذوا عني مناسككم. فكأنه وعظهم بما وعظهم به وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من أفعاله، أفاده الحافظ. قلت: حديث رافع بن عمرو المزني الآتي بلفظ ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء)) يدل على أن الخطبة المذكورة كانت وقت الضحى يعني قبل طواف الإفاضة وهو مشكل على مذهب الشافعية حيث قالوا: أنه يسن أن يخطب الإمام أو نائبه الناس بعد صلاة الظهر يوم النحر بمنى بعد طواف الإفاضة، وقد تقدم التنبيه على ذلك في شرح حديث عبد الله بن عمرو في الباب الذي قبل هذا (إن الزمان) هو اسم لقليل الوقت وكثيره، والمراد هنا السنة (قد استدار) أي دار (كهيئته) قال الطيبي: الهيئة صورة الشيء وشكله وحالته، والكاف صفة مصدر محذوف أي استدار استدارة مثل حالته (يوم خلق الله السموات) أي وما فيها من النيرين الذين بهما تعرف الأيام والليالي والسنة والأشهر (والأرض) قال القاري: أي عاد ورجع إلى الموضع الذي ابتدأ منه يعني الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأعوام إلى الأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي اختاره الله تعالى ووضعه يوم خلق السموات والأرض. وقال بعض المحققين من علمائنا (الحنفية) أي دار على الترتيب الذي اختاره الله تعالى ووضعه يوم خلق السموات والأرض وهو أن يكون كل عام اثني عشر شهرًا وكل شهر ما بين تسعة وعشرين إلى ثلاثين يومًا، وكانت العرب في جاهليتهم غيروا ذلك فجعلوا عامًا اثني عشر شهرًا وعامًا ثلاثة عشر فإنهم كانوا ينسؤن الحج في كل عامين من شهر إلى شهر آخر بعده ويجعلون الشهر الذي أنسؤه ملغي، فتصير تلك السنة ثلاثة عشر، وتتبدل أشهرها فيحلون الأشهر الحرم ويحرمون غيرها كما قال تعالى في سورة التوبة {إنما النسيء زيادة في الكفر}(الآية ٣٧) فأبطل الله ذلك وقرره على مداره الأصلي فالسنة التي حج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع هي السنة التي وصل ذو الحجة إلى موضعه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الزمان قد استدار كهيئته، يعني أمر الله أن يكون ذو الحجة في هذا الوقت، فاحفظوه واجعلوا الحج في هذا الوقت ولا تبدلوا شهرًا بشهر كعادة أهل الجاهلية – انتهى. وقال النووي، قال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الأشهر الحرم وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر، ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة