وقال:" أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: " أليس
ــ
فابن لبون ذكر. ومعلوم أن ابن اللبون لا يكون إلا ذكرًا، ويحتمل أن يكون إنما قال ذلك من أجل أنهم قد كانوا نسؤا رجبًا و ... هـ عن موضعه وسموه به بعض الشهور الأخر فنحلوه اسمه فبين لهم أن رجبًا هو الشهر الذي بين جمادى وشعبان لا ما كانوا يسمونه على حساب النسيء. قال النووي: قد أجمع المسلمون على أن الأشهر الحرم الأربعة هي هذه المذكورة في الحديث، ولكن اختلفوا في الأدب المستحب في كيفية عدها، فقالت طائفة من أهل الكوفة وأصل الأدب، يقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ليكون الأربعة من سنة واحدة، وقال علماء المدينة والبصرة وجماهير العلماء: هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث الذي نحن في فيه، وعلى هذا الاستعمال أطبق الناس من الطوائف كلها – انتهى. قيل الحكمة في جعل المحرم أول السنة أن يحصل الابتداء بشهر حرام ويختم بشهر حرام وتتوسط السنة بشهر حرام وهو رجب، وإنما توالى شهران في الآخر لإرادة تفضيل الختام، والأعمال بالخواتيم، قال الحافظ: أبدى بعضهم لما استقر عليه الحال من ترتيب هذه الأشهر الحرم مناسبة لطيفة، حاصلها أن للأشهر الحرم مزية على ما عداها، فناسب أن يبدأ بها العام وأن تتوسطه وأن تختم به، وإنما كان الختم بشهرين لوقوع الحج ختام الأركان الأربع لأنها تشتمل على عمل مال محض وهو الزكاة وعمل بدن محض وذلك تارة يكون بالجوارح وهو الصلاة وتارة بالقلب وهو الصوم، لأنه كف عن المفطرات، وتارة عمل مركب من مال وبدن وهو الحج، فلما جمعهما ناسب أن يكون له ضعف ما لواحد منهما فكان له من الأربعة الحرم شهران، والله أعلم (وقال: أي شهر هذا؟) أراد بهذا الاستفهام أن يقرر في نفوسهم حرمة الشهر والبلدة واليوم ليبني عليه ما أراده. قال القرطبي: سؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم، وليقبلوا عليه بكليتهم وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه. ولذلك قال بعد هذا فإن دماءكم، إلى آخره. مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء – انتهى. وقال النووي: هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم (قلنا: الله ورسوله أعلم) قال التوربشتي: إحالتهم الجواب عليه فيما استبان أمره وتحقق، نوع من الأدب بين يدي من حق عليهم التأدب بين يديه، ثم إنهم لم ييأسوا من أن يكون في الأمر المسؤل عنه علم لم يبلغ إليهم فأحالوا العلم على علام الغيوب، ثم إلى المستأثر من البشر بنوع من ذلك العلم، وينبئك عن هذا المعني قولهم: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه – انتهى. وقال الحافظ: قولهم ((الله ورسوله أعلم)) هذا من حسن أدبهم لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، ففيه إشارة إلى تفويض الأمور بالكلية إلى الشارع (فقال: أليس) أي هذا الشهر أو اسمه