٣٠٤- (٤) وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:((توضؤا مما مست النار)) رواه مسلم.
ــ
وأنثييك، وتوضأ للصلاة". وأجيب بأن رواية غسل الأنثيين قد طعن فيها بأنها من رواية عروة بن علي، وعروة لم يسمع من علي، وأيضاً أكثر الروايات في الصحيحين وغيرهما خالية عن ذكر الأنثيين، إلا أنه رواه أبوعوانة في صحيحه، من طريق عبيدة عن علي بالزيادة، وإسناده لا مطعن فيه كما قال الحافظ في التخليص. وأجيب عنه بأنه محمول على الاستحباب، أو أمر بغسل الأنثيين لزيادة التطهير؛ لأن المذي ربما انتشر فأصاب الأنثيين. ويقال: إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي، فلذلك أمره بغسلهما، قاله الخطابي. واستدل به على تعيين الماء فيه دون الأحجار ونحوها أخذاً بالظاهر. وقالت الحنفية: يجوز الاقتصار بالأحجار الحاقاً للمذى بالبول، وحملاً للأمر بالغسل على الاستحباب، أو على أنه خرج مخرج الغالب، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي. (ويتوضأ) فيه أن المذي ينقص الوضوء، ولا يوجب الغسل، وهو إجماع. (متفق عليه) أخرجه البخاري في العلم، وفي الطهارة، ومسلم في الطهارة، وأخرجه أيضاً النسائي فيها، وقد روي حديث علي هذا من طرق مختلفة عند أحمد، ومسلم، والترمذى، والنسائي وأبي داود، وابن ماجه، وغيرهم.
٣٠٤- قوله:(توضؤوا مما مست النار) أي من أكل ما مسته النار، وهو الذى أثرت فيه النار بطبخ أو قلي أو شي. والمراد بالوضوء الوضوء الشرعي، أي وضوء الصلاة. وهو دليل على أن أكل ما أثرت فيه النار من أسباب وجوب الوضوء. واختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب الأكثر من السلف والخلف إلى عدم انتقاض الوضوء به. وذهبت طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي به، واستدلت بحديث أبي هريرة هذا وما في معناه. وأجاب الأولون عنه بوجوه: منها أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين، ورد بأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها. ومنها أنه محمول على الاستحباب لا على الوجوب، وهذا اختيار الخطابي، وابن تيمية صاحب المنتقى، ورد بأن الأصل في الأمر الوجوب. ومنها أنه لما اختلف أحاديث الباب، ولم يتبين الراجح منها، نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرجحنا به أحد الجانبين، وارتضى بهذا النووي في شرح المهذب، وبهذا يظهر حكمة تصدير البخاري حديث ابن عباس الآتي بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة، قال النووي: كان الخلاف فيه معروفاً بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار، إلا ما تقدم استثناه من لحوم الإبل. ومنها أنه منسوخ بحديث ابن عباس الذى يتلوه، وبحديث أم سلمة، وحديث ابن عباس الآتيين في آخر الفصل الثاني، وما في معناهما من الأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما مست النار، والحكمة في الأمر بالوضوء من ذلك في أول الإسلام، ما كانوا عليه من قلة التنظيف في الجاهلية، فلما تقررت النظافة وشاعت في الإسلام، نسخ الوضوء تيسيراً على المؤمنين. وأبدى الشاه ولي الله الدهلوي حكمة أخرى، وارجع إلى حجة الله. قلت: أقوى الأجوبة عندي هو الثالث فهو أولى من دعوى النسخ. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي، وغيرهما.