للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

.............................................................................................

ــ

فقهاء الأمصار لا سيما من أصحاب الحديث إلى أن المراد منه النهي وإن روي على صيغة الخبر، وإيراد الإنشاء بصيغة الخبر أبلغ من إيراده بصيغة الإنشاء كما هو مقرر في موضعه. والحديث يدل على أنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا أن يزوج غيره، وإليه ذهب أكثر أهل العلم، وعزاه النووي في شرح المهذب لجماهير العلماء من الصحابة والتابعن فمن بعدهم، وقال: وهو مذهب عمر بن الخطاب وعثمان وعلى وزيد بن ثابت وابن عمر وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وداود وغيرهم، وقال في شرح مسلم: قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم: لا يصح نكاح المحرم – انتهى. وذهبت جماعة أخرى إلى أنه يجوز للمحرم أن يتزوج ويزوج غيره، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وهو مروي عن الحكم بن عتيبة والثوري والنخعي وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعكرمة ومسروق. قيل: وهو قول ابن عباس وابن مسعود وأنس ومعاذ بن جبل، وإليه يظهر ميل البخاري حيث ترجم في المناسك بلفظ ((باب تزويج المحرم)) وفي النكاح بلفظ ((باب نكاح المحرم)) وأورد فيهما حديث ابن عباس في تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة محرمًا. قال الحافظ في الحج: أورد فيه حديث ابن عباس في تزوج ميمونة، وظاهر صنيعه أنه لم يثبت عنده النهي عن ذلك ولا أن ذلك من الخصائص، وقد ترجم في النكاح باب نكاح المحرم، ولم يزد على إيراد هذا الحديث – انتهى. وقال الحافظ في النكاح: كأنه يجنح إلى الجواز لأنه لم يذكر في الباب شيئًا غير حديث ابن عباس في ذلك، ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده على شرطه – انتهى. واستدل الأولون بحديث عثمان ومما روى عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ولا يخطب عليه، ذكره الهيثمي وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن القاسم، فإن كان أحمد بن القاسم بن عطية فهو ثقة، وإن كان غيره فلم أعرفه وبقية رجاله لم يتكلم فيهم أحد، واحتج الذين ذهبوا إلى أن الإحرام لا يمنع عقد النكاح بحديث ابن عباس الآتي ففيه التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم والله تعالى يقول {ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (سورة الأحزاب: الآية ٢١) وهو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره، فلو كان تزويج المحرم حرامًا لما فعله - صلى الله عليه وسلم -، واحتجوا أيضًا بما روي عن عائشة مثل حديث ابن عباس أخرجه الطحاوي والبيهقي (ج ٧: ص ٢١٢) والبزار والطبراني في الأوسط، قال الهيثمي (ج ٤: ص ٢٦٨) بعد عزوه إلى البزار والطبراني: ورجال البزار رجال الصحيح – انتهى. وبما روي عن أبي هريرة مثل حديث ابن عباس أيضًا أخرجه الطحاوي والدارقطني وابن حبان كما في موارد الظمآن (ص ٣٠٩) قال الحافظ في الفتح في الحج: صح نحو حديث ابن عباس عن عائشة وأبي هريرة، وقال في النكاح: قدمت في الحج أن حديث ابن عباس جاء مثله صحيحًا عن عائشة وأبي هريرة فأما حديث عائشة فأخرجه النسائي من طريق أبي سلمة عنه. وأخرجه الطحاوي والبزار من طريق مسروق عنها وصححه ابن حبان وأكثر ما أعل بالإرسال وليس ذلك بقادح فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>