شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أصلى في مبارك الإبل؟ قال: لا))
ــ
(قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل) المراد به الوضوء الشرعي، أي وضوء الصلاة، لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها. والحديث نص على أن الأكل من لحم الإبل ناقص للوضوء على كل حال، نيئاً كان أو مطبوخاً، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق ابن راهوية، وغيرهما، واختاره البيهقي، وحكى عن أصحاب الحديث مطلقاً، وحكى عن جماعة من الصحابة، ورجحه النووي وغيره من الشافعية، وابن العربي من المالكية، والشيخ عبد الحي اللكنوى من الحنفية، وهذا القول هو المعمول عليه، الصحيح عندنا، وإن كان الجمهور على خلافه. ويدل عليه أيضاً حديث البراء بن عازب، عند أحمد والترمذى وأبي داود وابن ماجه والطيالسي، وابن الجارود وابن حبان، وابن خزيمة وغيرهم، قال ابن خزيمة: لم أر خلافاً بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه، انتهى. وفي الباب عن أسيد بن حضير، وذى الغرة، وعبد الله بن عمر، ولكن أحاديثهم قد تكلم فيها من جهة السند، وذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقص الوضوء، وأجابوا عن حديثي جابر والبراء بوجوه كلها مخدوشة، قد رد عليها ابن قدامة في المغني (ج١: ص١٨٨، ١٨٣) رداً حسناً، وقد نقل كلامه شيخنا في شرح الترمذي، مع الرد على تقريرات صاحب بذل المجهور من الحنفية فارجع إليه. وأما السؤال عن الحكمة لوجوب الوضوء من لحم الإبل فواقع في غير محله؛ لأن هذا الحكم تعبد غير معقول المعنى، فلا نحاول أن نتلمس حكمة له. (أصلي) بحذف حرف الاستفهام. (في مرابض الغنم) جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء، وهو موضع ربوض الغنم، أي مأوى الغنم. (قال: نعم) فيه دليل على جواز الصلاة في مرابض الغنم مطلقاً، خلافاً لمن قال: إن الإذن بالصلاة فيها كان قبل أن يبنى المسجد. واستدل بالحديث على طهارة أبوال الغنم وأبعادها؛ لأن مرابض الغنم لا تخلو عن ذلك، والإذن بالصلاة فيها مطلق، ليس فيه تخصيص موضع دون موضع، ولا تقييد بحائل بقى من الأبوال وهذا هو الحق خلافاً لأبي حنيفة والشافعي. (أصلي في مبارك الإبل) جمع مبرك بفتح الميم وكسر الراء، وهو موضع بروك الإبل. (قال: لا) فيه دليل على تحريم الصلاة في مبارك الإبل، وإليه ذهب أحمد، ومالك وابن حزم وهو الحق. وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة، وعلى التحريم مع وجودها، وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة، وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها، وستعرف أن الحق طهارة أبوال مأكول اللحم وأزباله، ولو سلمنا النجاسة فيه لم يصح جعلها علة؛ لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم، إذ لا قائل بالفرق. وقيل علة النهي ما فيها من النفور، وبهذا علل أصحاب الشافعي، وأصحاب مالك، وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل في مباركها، وبين غيبتها عنها. وفيه أن النهي عن الصلاة فيها مطلق، سواء كانت الإبل فيها أو لم تكن، وقيل: علة النهي أن يجاء بها إلى مباركها بعد شروعه في الصلاة فيقطعها أو يستمر فيها مع شغل خاطره، وفيه أيضاً ما تقدم. وقيل: لأن الراعي يبول بينها، وفيه أن هذا ظن وتخمين لم يقم عليه دليل، فلا يلتفت إليه. وقيل: علة النهي