وزاد ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب. وقال الحافظ: هو فرع ثبوت الحديث ولم يثبت بما قدمته - انتهى. وقال الحافظ العراقي: لفظ بقرة شاذ منكر، هذا واختلفت الروايات فيما افتدى به كعب بن عجرة، قال الحافظ بعد ذكر رواية أبي الزبير عن مجاهد عند الطبراني بلفظ ((ما أجد هديًا؟ قال: فأطعم، قال: ما أجد؟ قال: صم)) ما نصه: عرف من رواية أبي الزبير أن كعبًا افتدى بالصيام، ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح لأن لفظه صم أو أطعم أو انسك شاة، قال: فحلقت رأسي ونسكت. وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء عن كعب في آخر هذا الحديث، فقلت: يا رسول الله: خر لي قال. أطعم ستة مساكين - انتهى. كذا ذكر الحافظ ولم يجزم بشيء من الثلاثة، لكن في كلامه السابق الإشارة إلى أن الذي فعله كعب إنما هو الافتداء بذبح الشاة حيث قال بعد ذكر رواية البقرة: وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وتقدم أن ابن بطال اعتمد على رواية افتدائه بالبقرة، وتعقبه الحافظ بأن ذلك لم يثبت، ورواية أبي داود من طريق الحكم عن ابن أبي ليلى بلفظ: فحلقت رأسي ثم نسكت. تدل على أنه افتدى بالذبح وهي تؤيد رواية ابن إسحاق، لكن يأباه حديث الشعبي عن كعب عند أبي داود أيضًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: أمعك دم؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو تصدق. وجمع بينهما بأنه يحتمل أنه لم يكن واجدًا للشاة حين سأله - صلى الله عليه وسلم -، ثم بعد ذلك حصلت له فذبحها، قال الزرقاني: يحتمل أنه وجدها بعد ما أخبر أنه لا يجدها فنسك بها، وأما ما أخرجه ابن عبد البر أنه قال: فحلقت وصمت، فإما أنها رواية شاذة أو أنه فعل الصوم أيضًا باجتهاده، واختلف العلماء في موضع ذبح فدية الأذى فقال مالك وأحمد: يذبح حيث شاء ولا يختص ذلك بمكة ولا بالحرم، وقال الشافعي وأبو حنيفة يختص بالحرم. قال العيني: احتج بعموم الحديث مالك على أن الفدية يفعلها حيث يشاء سواء في ذلك الصيام والإطعام والكفارة لأنه لم يعين له موضعًا للذبح أو الإطعام ولا يجوز تأخير البيان عن وقت البيان، وقد اتفق العلماء في الصوم أن له أن يفعله حيث شاء لا يختص ذلك بمكة ولا بالحرم، وأما النسك والإطعام فجوزهما مالك أيضًا كالصوم، وخصص الشافعي ذلك بمكة أو بالحرم، واختلف فيه قول أبي حنيفة فقال مرة: يختص بذلك الدم دون الإطعام، وقال مرة: يختصان جميعًا بذلك. وقال هشيم: أخبرنا ليث عن طاوس أنه كان يقول: ما كان من دم أو إطعام فبمكة، وما كان من صيام فحيث شاء، وكذا قال عطاء ومجاهد والحسن - انتهى. وقال الخرقي: كل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم إلا من أصابه أذى من رأسه فيفرقه على المساكين في الموضع الذي حلق فيه، قال ابن قدامة: أما فدية الأذى فتجوز في الموضع الذي حلق فيه نص عليه أحمد، وقال الشافعي: لا يجوز إلا في الحرم لقوله تعالى {ثم محلها إلى البيت العتيق}(سورة الحج، الآية ٣٣) ولنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية ولم يأمر ببعثه إلى الحرم، وروى الأثرم وإسحاق والجوزجاني في كتابيهما