ثم عرض له ما يحبسه من المرض ونحوه عن الحج جاز له أن يتحلل، وأن من لم يشترط في إحرامه فليس له التحلل قال الولي العراقي: في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر ضباعة أن تشترط في إحرامها التحلل عند المرض، وقد اختلف العلماء في هذا الأمر هل هو على سبيل الإباحة أو الاستحباب أو الإيجاب، وهذه الأقوال متفقة على الاشتراط في الجملة، ومنهم من أنكره لعدم صحة الحديث عنده أو لتأويله كما سيأتي، وحاصل هذا الخلاف أقوال أحدها جوازه، وهو المشهور من مذهب الشافعي فإنه نص عليه في القديم، وعلق القول به في الجديد على صحته، وقد صح كما سيأتي، ولذلك قطع الشيخ أبو حامد بصحته، وأجرى غيره فيه قولين في الجديد، أظهرهما الصحة، وروى ابن أبي شيبة فعله عن علي وعلقمة والأسود وشريح وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، والأمر به عن عائشة وعبد الله بن مسعود، وعن عثمان أنه رأى رجلاً واقفًا بعرفة فقال له: أشارطت؟ فقال: نعم. وعن الحسن وعطاء في المحرم قالا: له شرطه. وروى البيهقي الأمر به عن أم سلمة وقال ابن المنذر: ممن روينا عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر، وهو مذهب عبيدة السلماني والأسود بن يزيد وشريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وعطاء بن يسار وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر، وبالأول أقول (وهو المصحح عند الشافعية) وحكاه ابن حزم عن جمهور الصحابة، وحكاه والدي يعني الزين العراقي في شرح الترمذي عن جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والثاني استحبابه وهو مذهب أحمد فإن ابن قدامة جزم به في المغني (ج ٣: ص ٢٨٢) وهو المفهوم من قول الخرقي والمجد بن تيمية في مختصريهما عند ذكر الإحرام ((ويشترط)) أي المحرم إن لم يفهم منه الوجوب، الثالث إيجابه، ذهب إليه ابن حزم الظاهري تمسكًا بالأمر، الرابع إنكاره، وهذا مذهب الحنفية والمالكية (ومعنى إنكار الاشتراط وعدم صحته وبطلانه أنه لا ينفعه الاشتراط ولا يفيده وإنه لا تأثير له في جواز التحلل ولا حاجة إليه ولا حكم له: فإن الإحصار عند الحنيفة يتحقق بالمرض أيضًا ولو لم يشترط فيصير المريض عندهم محصرًا له حكم المحصر) وروى ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة قال: كان أبي لا يرى الاشتراط في الحج شيئًا، وعن إبراهيم النخعي: كانوا لا يشترطون ولا يرون الشرط شيئًا، وعن طاوس والحكم وحماد: الاشتراط في الحج ليس بشيء، وعن سعيد بن جبير: المستثنى وغير المستثنى سواء، وعن إبراهيم التيمي: كان علقمة لا يرى الاشتراط شيئًا، وروى الترمذي وصححه والنسائي عن ابن عمر أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -؟ زاد النسائي في روايته ((أنه لم يشترط)) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في صحيح البخاري بدون أوله. وحكى ابن المنذر إنكاره عن الزهري أيضًا، وحكاه ابن عبد البر عن سفيان الثوري، وعن أبي حنيفة أن الاشتراط يفيد سقوط الدم، فأما التحلل فهو ثابت عنده بكل إحصار،