أي بسبب حرمة الله، فالباء للسببية، ويجوز أن تكون للملابسة فيكون متعلق الباء محذوفًا، أي متلبسًا بحرمة الله، وهو تأكيد للتحريم (إلى يوم القيامة) إيماء إلى عدم نسخه، وقال الحافظ: قوله ((بحرمة الله)) أي بتحريمه، وقيل: الحرمة الحق، أي حرام بالحق المانع من تحليله، قال: واستدل به على التحريم القتل والقتال بالحرم، فأما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، وخص الخلاف بمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن الجوزي، واحتج بعضهم بقتل ابن خطل بها، ولا حجة فيه، لأن ذلك كان في الوقت الذي أحلت فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وزعم ابن حزم أن مقتضى قول ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها مطلقًا. ونقل التفصيل عن مجاهد وعطاء. وقال أبو حنيفة: لا يقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل باختياره لكن لا يجالس ولا يكلم ويوعظ ويذكر حتى يخرج، وقال أبو يوسف: يخرج مضطرًا إلى الحل وفعله ابن الزبير، وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس عن ابن عباس: من أصاب حدًا ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع، وعن مالك والشافعي: يجوز إقامة الحد مطلقًا فيها، لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، وأما القتال فقال الماوردي: من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها فلو بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز، وإن لم يكن إلا القتال، فقال الجمهور: يقاتلون لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى، فلا يجوز إضاعتها، وقال الآخرون: لا يجوز قتالهم، بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة، قال النووي: والأول نص عليه الشافعي وأجاب أصحابه عن الحديث بحمله على تحريم نصب القتال بما يعم أذاه كالمنجنيق، بخلاف ما لو تحصن الكفار في بلد، فإنه يجوز قتالهم على كل وجه، وعن الشافعي قول آخر بالتحريم اختاره القفال، وجزم به في شرح التلخيص. وقال به جماعة من علماء الشافعية والمالكية، قال الطبري: من أتى حدًا في الحل واستجار بالحرم فللإمام إلجاؤه إلى الخروج منه، وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيق عليه حتى يذعن للطاعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: وإنما أحلت لي ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. فعلم أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذي حلت له به، وهو محاربة أهلها والقتل فيها، ومال ابن العربي إلى هذا، وقال ابن المنير: قد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - التحريم بقوله ((حرمه الله)) ثم قال ((فهو حرام بحرمة الله)) ثم قال ((ولم تحل لي إلا ساعة من نهار)) وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثًا، قال: فهذا نص لا يحتمل التأويل. وقال القرطبي: ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - بالقتال لاعتذاره عما أبيح له من ذلك مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتال والقتل لصدهم عن المسجد الحرام وإخراجهم أهله منه وكفرهم، وهذا الذي فهمه أبو شريح كما سيأتي وقال به غير واحد من أهل العلم. وقال ابن دقيق العيد: يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه لم يؤذن لغيره فيه، والذي وقع له إنما هو مطلق القتال لا القتال الخاص بما يعم كالمنجنيق فكيف