يسوغ التأويل المذكور، وأيضًا فسياق الحديث يدل على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها، وذلك لا يختص بما يستأصل – انتهى كلام الحافظ. قلت: ومذهب الحنفية في مسألتي القتل والقتال في الحرم على ما ذكره في غنية الناسك (ص ١٦٣) هو أن من جنى في غير الحرم بأن قتل أو ارتد أو زنى أو شرب الخمر أو فعل غير ذلك مما يوجب الحد ثم لاذ إليه لا يتعرض له ما دام في الحرم ولكن المرتد يعرض عليه الإسلام فإن أسلم سلم وإلا قتل لأن إباءه عن الإسلام جناية في الحرم، وغير المرتد لا يبايع ولا يؤاكل ولا يجالس ولا يؤوى إلى أن يخرج منه فيقتص منه، وأما إن فعل ما يوجب القصاص ثم لاذ إليه فإن كان القصاص في النفس لا يتعرض له ويضيق عليه حتى يخرج كما في الحد وإن كان فيما دون النفس يقتص منه في الحرم، لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، ومن جنى على المال إذا لجأ إلى الحرم يؤخذ منه لأنه حق العبد أي فكذا يقتص منه في الأطراف بخلاف الحد لأنه حق الرب تبارك وتعالى، وبخلاف القصاص في النفس لأنه ليس بمنزلة المال، وإن فعل شيئًا من ذلك في الحرم يقام عليه الحد ويقتص منه فيه، وإن قتل في الحرم قتل فيه، وإن قتل في البيت لا يقتل فيه. قال في رد المحتار: وكذا الحكم في سائر المساجد – انتهى. ومن دخل الحرم مقاتلاً قتل فيه إلى آخر ما ذكر، قلت: واستدل لما ذهب إليه مالك والشافعي ومن تبعهم من أن حكم الحرم كغيره فيقام فيه الحد ويسوفى فيه القصاص سواء كانت الجناية في الحرم أو في الحل ثم لجأ إلى الحرم بأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، واستدلوا لذلك أيضًا بعمومات النصوص الدالة على استيفاء الحدود والقصاص في كل زمان ومكان، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، وبالقياس على من أتى في الحرم ما يوجب القتل، وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه من الفقهاء والإمام أحمد وبعض محدثيه مع أنه إن كانت الجناية في الحرم استوفيت العقوبة فيه، وإن كانت في الحل ثم لجأ إلى الحرم لم تستوف منه فيه ويلجأ إلى الخروج منه، فإذا خرج اقتص منه، فاستدل لهم بمثل قوله تعالى {ومن دخله كان آمنًا} ، {أو لم نمكن لهم حرمًا آمنًا}(سورة القصص: الآية ٥٧) ونحوهما من الآيات، ولو لم يكن للتخصيص فائدة ما ذكر، وأجاب هؤلاء عن أدلة المعارضين بأن العمومات لا تتناوله لأن لفظها لا يدل عليه لا بالوضع ولا بالتضمن فهو مطلق بالنسبة إليها، ولو فرض تناولها له لكانت مخصصة بالأدلة الواردة في منع إقامة الحد فيه لئلا يبطل موجبها. وأما قتل ابن خطل فليس فيه دليل لأنه قتل في الساعة التي أحل فيها الحرم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما قياسه على من أتى في الحرم بما يوجب القتل فلا يستقيم، لأن الجاني فيه هتك حرمته وحرمة الله تعالى فهما مفسدتان ولو لم يقم الحد على الجناة فيه لعم الفساد وعظم الشر في حرم الله بخلاف الذي أتى ما يوجب القتل خارجه فذنبه أخف كثيرًا وهو بلجوءه إلى الحرم كالتائب من الذنب النادم على فعله. قلت: ونصر ابن حزم في المحلى (ج ٧: ص ٢٦٢) أن القصاص