للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار،

ــ

وأنواع الحدود لا تقام في الحرم مطلقًا، وقال من أتى فيه بما يوجب القتل والحد فليخرج ثم يقام عليه، ونقل عمومات عن بعض الصحابة ظاهرها معه. قلت: والقول الراجح عندنا هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وأحمد لقوة دليل هذا القول والله أعلم (وإنه) أي الشأن، فالهاء فيه ضمير الشان (لم يحل القتال فيه لأحد قبلي) زاد في بعض طرق البخاري ((ولا يحل لأحد بعدي)) قال المحب الطبري (ص ٥٩١) : هذا القول يحتمل وجوهًا ثم ذكرها، وقال: الوجه الرابع وهو أقواها وأسلمها عن الاعتراض: أن يريد تحريم القتل بها وكان مستحقًا، حتى لو دخل كافر بغير أمان أو زان محصن أو من قتل إنسانًا عمدًا عدوانًا لم يقتل بها بل يضيق عليه حتى يخرج، وهذا مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد وقول بعض أصحاب مالك، وكذلك القتال أيضًا لا يكون بقتل، بل بالحصر والتضييق والمدافعة حتى يخرجوا منها، ولا كذلك سائر البلاد، وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) أي وقتله ابن خطل وغيره وقد عاذوا بالحرم، فيقال لهم: إن الله عز وجل أذن لرسوله ولم يأذن لكم، فمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يقتدوا به في هذه الرخصة، وأن يعد سببها تحقيقًا لاختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الرخصة – انتهى. قال ابن بطال: المراد بقوله ((ولا تحل لأحد بعدي)) الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره – انتهى. ومحصله أنه خبر بمعنى النهي بخلاف قوله ((لم يحل القتال فيه لأحد قبلي)) فإنه خبر محض، أو معنى قوله ((ولا تحل لأحد بعدي)) أي لا يحله الله بعدي، لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين، (ولم يحل) أي القتال (لي إلا ساعة من نهار) أي مقدارًا من الزمان، وهو ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، وقد ورد عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ((لما فتحت مكة قال: كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر، فأذن لهم حتى صلى العصر، ثم قال: كفوا السلاح فلقى رجل من خزاعة رجلاً من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام خطيبًا فقال: ورأيته مسندًا ظهره إلى الكعبة)) فذكر الحديث. ويستفاد منه أن قتل من أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتلهم كابن خطل وقع في الوقت الذي أبيح للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه القتال خلافًا لمن حمل قوله ((ساعة من نهار)) على ظاهره فاحتاج إلى الجواب عن قصة ابن خطل كذا في الفتح قال القاري: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ". أي أحل لي ساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر، وقال الخطابي، قيل: إنما أحلت له في تلك الساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر وسائر ما حرم على الناس منه – انتهى. قال الطبري: ويحتمل العموم، فإن انتشار العسكر لا يخلو من تنفير صيد ودوس خلا وقطعه وغير ذلك، والعمد والخطأ فيه سواء، وقال أيضًا: يحتمل أن يكون المراد جميع ما حرم فيه من تنفير الصيد واختلاء الخلا وعضد الشجر، لأن ذلك من لوازم انتشار العسكر غالبًا فالصيد ينفر

<<  <  ج: ص:  >  >>