للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد

ــ

بذلك والدواب يختلى لها ويخبط فحصوله وإن كان تبعًا وضمنًا لكنه لما كان معلومًا بالضرورة كان كالمباشر – انتهى. ثم قال القاري: قوله ((لم يحل لي إلا ساعة من نهار)) دل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرًا كما هو عندنا، وقال الشيخ الدهلوي: يدل ظاهره على وقع القتال فيه، وقد وقع من خالد بن الوليد، وكان ذلك بأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بإذن منه - صلى الله عليه وسلم - ولهذا ذهب الأكثرون، ومنهم أبو حنيفة إلى أن مكة فتحت عنوة، وعن الشافعي وهو رواية عن أحمد أنها فتحت صلحًا، لأنهم لم يتهيؤا للحرب، وإنما وقعت اتفاقًا بعد دخول خالد وتعرض بعض المشركين، واعتذاره - صلى الله عليه وسلم - بحل القتال له صريح في وقوع القتال والفتح عنوة، وثمرة الخلاف أن من قال: فتحت عنوة لا يجوز بيع دورها وإجارتها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من الكفار وجعلها وقفًا بين المسلمين، ومن قال بالفتح صلحًا جوز ذلك لأنها مملوكة لأصحابها مبقاة على أملاكهم – انتهى. قلت: ذهب الأكثرون منهم أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه إلى أن مكة فتحت عنوة، وذهب الشافعي إلى أنها فتحت صلحًا، واستدل له على ذلك بأنها لو فتحت عنوة لقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الغانمين كخيبر ولملك الغانمون دورها وكانوا أحق بها من أهلها، ولو كانت عنوة لم يؤمن أهلها. واستدل الجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((لم يحل لي إلا ساعة من نهار)) وبقوله في حديث أبي شريح ((فإن ترخص أحد بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لك)) واستدلوا أيضًا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلها في حالة حرب وتعبئة فقد جعل للجيش ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلبًا، ودخلها وعلى رأسه المغفر غير المحرم. وحصل القتال بين خالد بن الوليد وبينهم حتى قتل منهم جماعة. وقال - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: " أترون أوباش قريش وأتباعهم احصدوهم حصدًا ". حتى قال أبو سفيان: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم، وقال: " من أغلق بابه فهو آمن ". وغير ذلك من الأدلة الواضحة الصحيحة، وأجابوا عن أدلة المعارضين فقالوا: أما كونه لم يقسم أرضها بين الغانمين فلأن الأرض غير داخلة في الغنائم التي تقسم، وهذا عمل الخلفاء الراشدين في أرض العنوة التي يأخذونها لا يقسمونها، وإنما يجعلونها فيئًا على المسلمين أولهم وآخرهم على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَنّ على أهل مكة فأمنهم، ومن تأمينهم ترك ما بأيديهم مع أن هناك خلافًا بين العلماء هل يملك رباع مكة ودورها؟ وقد رجح كثير من العلماء عدم تملكها وقالوا: إنه يستوي فيها المسلمون كالمساجد، وأما تأمينه أهلها فبعد القتال منّ عليهم بذلك لكونهم جيران بيت الله تعالى، وبعد أن رأوا أن لا طاقة لهم في القتال طلبوا الأمان فأجابهم لطفًا بهم ورحمة، كذا في تيسير العلام. وارجع لمزيد التفصيل إلى الفتح في شرح حديث هشام بن عروة عن أبيه من باب ((أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح؟)) (فهو) أي البلد (حرام) أي على كل أحد بعد تلك الساعة (بحرمة الله) أي المؤبدة (لا يُعضَد) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع،

<<  <  ج: ص:  >  >>