تحديد حرم المدينة بما بين عير وثور لا ينافي الحديث الآتي:((إني أحرم ما بين لابتي المدينة)) . لأن اللابتين حرتان يكتنفانها، كما في القاموس، وعير وثور مكتنفان المدينة، فحديث عير وثور يفسر اللابتين، وقيل حديث:((ما بين لابتيها)) يعني من جهة المشرق والمغرب، فإن من جهة المشرق حرة ومن جهة المغرب أخرى، وحديث:((ما بين عير إلى ثور)) يعني من جهة الجنوب والشمال، فثور من جهة الشمال، وعير من جهة الجنوب، والله أعلم. وفي حديث علي هذا وفيما يأتي من أحاديث سعد بن أبي وقاص، وحديث أبي سعيد وحديث أنس دليل على أن المدينة حرمًا كحرم مكة، وقد روي في هذا عن جماعة من الصحابة غير هؤلاء، ذكر أحاديثهم المجد في المنتقى، والعيني في العمدة (ج١٠: ص ٢٣١) والهيثمي في مجمع الزوائد (ج٣: ص ٣٠٣) والسمهودي في وفاء الوفا (ص ٨٩، ١٠٥، ١٠٨) . قال الشوكاني: استدل بما في هذه الأحاديث من تحريم شجر المدينة وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره الشافعي ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم على أن للمدينة حرمًا كحرم مكة يحرم صيده وشجره. قال الشافعي ومالك: فإن قتل صيدًا أو قطع شجرًا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فأشبه الحمى. وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء كحرم مكة، وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله ((كما حرم إبراهيم مكة)) ، وذهب أبو حنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكام من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر، والأحاديث ترد عليهم – انتهى. وقال العيني: احتج بأحاديث تحريم حرم المدينة محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق، وقالوا: المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها، ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم خلافًا لابن أبي ذئب فإنه قال: يجب الجزاء، وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي، وقال في القديم: من اصطاد في المدينة صيدًا أخذ سلبه ويروى فيه أثرًا عن سعد، وقال في الجديد بخلافه. وقال الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ليس للمدينة حرم كما كان لمكة، فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها – انتهى. والمراد من المنع منع استحباب لا تحريم، فلا يحرم عند الحنفية أخذ صيدها وقطع شجرها، بل يكره فقط كما في المرقاة. قال في الكافي: لأن حل الاصطياد عرف بالنصوص القاطعة فلا يحرم إلا بقاطع كذلك، ولم يوجد، وأما تحريم مكة فنصوص الكتاب فيه صريحة. قال التوربشتي: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم ((لا تخبط منها شجرة إلا لعلف)) وأشجار حرم مكة لا يجوز خبطها بحال، وأما صيد المدينة وإن رأى تحريمه نفر يسير من الصحابة فإن الجمهور منهم لم ينكروا اصطياد الطور بالمدينة ولم يبلغنا فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي من طريق يعتمد عليه – انتهى. وأيضًا قال