للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال: " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها

ــ

وهي كل شجر عظيم له شوك كالطلح والعوسج واحدها عضاهة وعضهة وعضه وعضة بحذف الهاء الأصلية كما يحذف من الشفة (وقال: المدينة خير لهم) قال القاري: أي لأهلها من المؤمنين في الدنيا والأخرى، وذلك مطلق إن كان قبل الفتح ومقيد بغير مكة إن كان بعده، أو المراد بالخيرية من جهة بركة المعيشة فلا ينافي بركة الفضيلة الزائدة الثابتة لمكة بالأحاديث الصحيحة الصريحة – انتهى. قلت: احتج ابن رشد بالحديث على تفضيل المدينة على مكة، ولا دليل فيه لأن كونها خيرًا مطلق يصدق بصورة ككونها خيرًا من الشام لا من كل الأرض. وقال السندي في حاشية مسلم: قوله ((المدينة خير لهم)) قال ذلك في ناس يتركون المدينة إلى بعض بلاد الرخاء كالشام وغيره كما سيجيء، وهؤلاء الناس هم المراد بضمير ((لهم)) أي المدينة خير لأولئك التاركين لها من تلك البلاد التي يتركون المدينة لأجلها فلا دليل في الحديث على تفضيل المدينة على مكة كما لا يخفى (لو كانوا يعلمون) أي ما فيها من الخير لما فارقوها وما اختاروا غيرها عليها وما تحولوا للتوسعة في الدنيا، قال السندي: ليس المراد به أنها خير على تقدير العلم، إذ المدينة خير لهم علموا أو لا، بل المراد لو علموا بذلك لما فارقوها، وقد يجعل كلمة لو للتمني لكن قد يقال: كثير منهم يبلغهم الخبر ويفارقونها فأولئك قد علموا بذلك لبلوغهم الخبر ومع ذلك فارقوها فكيف يصح ((لو علموا بذلك لما فارقوها)) ؟ قلت: يمكن دفعه بأن المراد لو علموا بذلك عيانًا وليس الخبر كالمعاينة، أو يقال هو من تنزيل العالم الذي لا يعمل بعلمه بمنزلة الجاهل، كأنه ما علم هذا، وقد يقال: المعنى المدينة خير لهم لو كانوا من أهل العلم، إذ البلدة الشريفة لا ينتفع بها إلا الأهل الشريف الذين يعملون على مقتضى العلم، وأما من ليس من أهل العلم فلا ينتفع بالبلدة الشريفة بل ربما يتضرر، فخيرية البلدة ليست إلا لأهلها، ومن يليق للاقإمة فيها فافهم – انتهى. وقال الأبي: ((لو)) هذه إن كانت امتناعية فجوابها محذوف أي لو كانوا من أهل العلم لعلموا ذلك ولم يفارقوا المدينة، وإن كانت متعدية فالتقدير لو كانوا يعلمون ذلك لما فارقوها، وإن كانت للتمني لم تفتقر إلى جواب، وعلى التقديرين هو تجهيل لمن فعل ذلك لتفويته عن نفسه أجرًا عظيمًا، ولذلك قال: إلا أبدل الله فيها خيراً منهم، كما قال تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم} (سورة محمد: الآية٤٠) ، أي يخلق خلقًا سواكم على خلاف صفتكم من الرغبة في الإيمان (لا يدعها) استئناف مبين أي لا يتركها (أحد) ممن استوطنها (رغبة عنها) أي عن ثواب الساكن فيها، وأما من خرج لضرورة شدة زمان أو فتنة فليس ممن يخرج رغبة عنها. وقال القرطبي والمازري: رغبة عنها أي كراهة لها من رغبت عن الشيء إذا كرهته. وقال الباجي: الظاهر عندي أنه إنما أراد به الخروج عن استيطانها إلى استيطان غيرها، وأما من كان مستوطنًا غيرها يعني من كان وطنه غيرها فقدم عليها طالبًا للقربة بإتيانها ورجع إلى وطنه أو كان مستوطنًا بها فسافر عنها لحاجة أو لضرورة شدة زمان أو فتنة فليس ممن يخرج رغبة عنها –

<<  <  ج: ص:  >  >>