إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا
ــ
انتهى. (إلا أبدل الله فيها) أي في المدينة (من هو خير منه) قال الباجي: بمولود يولد فيها أو بمنتقل ينتقل إليها من غيرها. قيل هذا خاص بزمن حياته - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: دائمًا. ويدل عليه قوله في حديث ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء، المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) . وقال ابن عبد البر: هذا في حياته - صلى الله عليه وسلم - وذلك مثل الأعرابي القائل ((أقلني بيعتي)) ومعلوم أن من رغب عن جواره أبدله الله خيرًا منه، وأما بعد وفاته فقد خرج منها جماعة من أصحابه ولم تعوض المدينة خيرًا منهم. قال الزرقاني: يعني كأبي موسى وابن مسعود ومعاذ وأبي عبيدة وعلي وطلحة والزبير وعمار وحذيفة وعبادة بن الصامت وبلال وأبي الدرداء وأبي ذر وغيرهم، وقطنوا غيرها وماتوا خارجًا عنها ولم تعوض المدينة مثلهم فضلاً عن خير منهم، فدل ذلك على التخصيص بزمنه - صلى الله عليه وسلم -. قال الأبي: الأظهر أن ذلك ليس خاصًا بالزمن النبوي ومن خرج من الصحابة لم يخرج رغبة عنها بل إنما خرج لمصلحة دينية من تعليم أو جهاد أو غير ذلك – انتهى. قال الزرقاني: لا يقال ليس النزاع في أن خروجهم لما ذكر إنما هو في تعويضها بخير منهم، وهذا لم يقع فالأظهر التخصيص لأنا نقول: الإبدال مقيد بالخروج رغبة عنها فلا يرد أن الخارج لمصلحة دينية لم تعوض مثلهم – انتهى. قلت: هذا هو الظاهر بل الصحيح فإن التعويض والإبدال لما كان مقيدًا بترك المدينة والخروج رغبة عنها فلا مانع من حمله على الإطلاق والعموم (ولا يثبت أحد) أي بالصبر (على لأوائها) بالمد بسكون الهمزة الأولى وتبدل ألفًا أي شدة جوعها (وجهدها) بفتح الجيم وقد تضم أي مشقتها مما يجد فيه من شدة الحر وكربة الغربة وأذية من فيها من أهل البدعة لأهل السنة. قال الجوهري: اللأواء الشدة، لكن المراد هنا ضيق المعيشة والقحط لما في أكثر الروايات على لأوائها وشدتها فلابد من الاختلاف في معناهما وإن كان يمكن أن يكون العطف تفسيريًا وتأكيديًا لأن التأسيس أولى، والأصل في العطف التغاير فيحمل اللأواء على ضيق المعيشة والجهد على ما يصيبهم من الحر وعلى ما يصيب المهاجر فيها من وحشة الغربة وغير ذلك، كذا في المرقاة، وشرح المصابيح للتوربشتي. قال الأبي: الحديث خرج مخرج الحث على سكناها فمن لزم سكناها دخل في ذلك ولو لم تلحقه لأواء لأن التعليل بالغالب والمظنة لا يضر فيه التخلف في بعض الصور كتعليل القصر بمشقة السفر (إلا كنت) بصيغة المتكلم (له شفيعًا أو شهيدًا) قال عياض: سئلت قديمًا عن معنى هذا الحديث يعنى أن ((أو)) هذه هل هي للشك أو غيره ولمَ خص ساكن المدينة بالشفاعة هنا مع عموم شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وادخاره إياها لأمته؟ قال: وأجبت عنه بجواب شاف مقنع في أوراق اعترف بصوابه كل واقف عليه. قال: وأذكر الآن منه يعنى في شرح مسلم لمعاً تليق بهذا الموضع قال بعض شيوخنا: أو هنا