٢٧٥٥ – (٣) وعن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا
ــ
للشك والأظهر عندنا أنها ليست للشك لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة بل الأظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هكذا، فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا (أي من الله تعالى) وإما أن يكون أو للقسيم ويكون شهد لبعض أهل المدينة وشفيعًا لباقيهم إما شفيعًا للعاصين وشهيدًا للمطيعين وإما شهيدًا لمن مات في حياته وشفيعاً لمن مات بعده أو غير ذلك، وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة لمكانة المذنبين يوم القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في شهداء أحد: أنا شهيد على هؤلاء فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزية وزيادة منزلة وحظوة. قال: وقد تكون أو بمعنى الواو فيكون لأهل المدينة شفيعًا وشهيدًا معًا. قال: وقد روي: إلا كنت له شهيدًا وله شفيعًا – انتهى. قال الزرقاني: بالواو رواه البزار من حديث ابن عمر. قال عياض: وإذا جعلنا أو للشك كما قيل فإن كانت اللفظة الصحيحة ((شهيدًا)) اندفع الاعتراض لأنها زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة لغيرهم، وإن كانت ((شفيعًا)) فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عموهما وادخارها لجميع الأمة أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار ومعافاة بعضهم منها بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - في القيامة وتكون هذه الشفاعة بزيادة الدرجات ورفعها أو تخفيف السيئات أو بما شاء الله من ذلك أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة كإيوائهم إلى ظل العرش أو كونهم في روح أو على منابر أو الإسراع بهم إلى الجنة أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض- انتهى. كذا نقله عنه النووي في شرح مسلم وغيره وأقروه (يوم القيامة) في الحديث إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة وتنبيه على أنه ينبغي للمؤمن أن يكون صابرًا بل شاكرًا على إقامته في المدينة ولا ينظر إلى ما في عداها من النعم الصورية لأن العبرة بالنعم الحقيقية الأخروية (رواه مسلم) وأخرجه أيضًا أحمد (ج١: ص ١٨١، ١٨٥) والبيهقي (ج ٥: ص ١٩٧) .
٢٧٥٥- قوله (لا يصبر على لأواء المدينة) أي شدة جوعها (وشدتها) عطف تفسير على قول بعض الشراح، وقال أبو عمر: يعني المدينة والشدة والجوع واللأواء تعذر الكسب وسوء الحال. وقال المازري: اللأواء الجوع وشدة المكسب، وضمير شدتها يحتمل أن يعود على اللأواء
ويحتمل أن يعود إلى المدينة. وقال الباجي: اللأواء هو الجوع وتعذر التكسب والشدة يحتمل أن يريد بها اللأواء ويحتمل أن يريد بها كل ما يشتد به سكانها وتعظم مضرته (أحد من أمتي إلا