للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا،

ــ

ألف فرس، والحاصل أن المراد بالبركة هنا ما يشمل الدنيوية والأخروية والحسبة، قاله القاري. وقيل بارك لنا في مدينتنا في أمور أخرى أيضًا سوى الثمار (وبارك لنا في صاعنا) أي فيما يكال به كمية وكيفية (وبارك لنا في مدنا) قال الزرقاني: أي بارك لنا في ما يكال في صاعنا وبارك لنا في ما يكال في مدنا، فحذف المقدر لفهم السامع وهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال. قال ابن عبد البر: هذا من فصيح كلامه وبلاغته - صلى الله عليه وسلم -، وفيه استعارة، لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل بالصاع والمد لا في الظروف، ويحتمل على ظاهر العموم أن تكون فيهما. وقال القاضي عياض: البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم، قال: فقيل يحتمل أن تكون هذه البركة دينية، وهي ما تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في ذكر الزكوات والكفارات فتكون بمعنى الدعاء للثبات والبقاء لها كبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير المال والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها، أو تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه بما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وتمليكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هشاميًا مثل مد النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو مرة ونصفًا. وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته - صلى الله عليه وسلم - وقبولها – انتهى كلام القاضي. قال النووي: الظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس الكيل في المدينة بحيث يكفي المد في المدينة لمن لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها. قال الطيبي: ولعل الظاهر هو قول عياض ((أو لاتساع عيش أهلها)) إلخ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لمكة، ودعاء إبراهيم هو قوله {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} (إبراهيم: الآية ٣٧) يعني وارزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم من البلاد لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته فجعله حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، ولعمري أن دعاء حبيب الله - صلى الله عليه وسلم - استجيب لها وضاعف خيرها على غيرها بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى ولا يحصر، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقاصي الأرض وشاسع البلاد وينصر هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة: أمرت بقرية تأكل القرى، ومكة أيضًا من مأكولها – انتهى. وقال الباجي: يحتمل أن يريد بالبركة بركة

<<  <  ج: ص:  >  >>